علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي تناقش فيه الجلسات المشتركة لمجلسي الدولة والشورى التباين في بعض المواد بين المجلسين وأهمية هذه الجلسات البرلمانية التي تعكس ذروة الممارسة الديمقراطية في سن التشريعات في البلاد، إلا أن الجلسة المشتركة التي عقدت يوم الخميس الخامس من الشهر الجاري بقاعة الاجتماعات بمجلس الدولة، والتي ناقش فيها المكرمون أعضاء مجلس الدولة وأصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى مواد التباين بين المجلسين حول مواد مشروع قانون الثروة المائية الحية شهدت تغيب 22 عضوا من الشورى أي أكثر من ربع أعضاء المجلس، في حين تغيب 11 عضوا من مجلس الدولة، ما أوجد أسئلة حائرة وصادمة لدى الجمهور العريض من المواطنين، خاصة وأن النسبة الأكبر من الغياب هي من المجلس المنتخب الذي يعول عليه مجموعة الناخبين لأن يكون أكثر حضورا لتبرير التباين والاختلاف في المواد المطروحة للنقاش في هذه الجلسة، وذلك لمؤازرة آرائهم المطروحة، سواء في تعديل المواد الأصلية لمشروع القانون المحال من الحكومة، أو للمواد التي اقترحوها تعزيزا لمشروع القانون ذاته.
وهم بذلك يمارسون حقهم التشريعي الذي نصت عليه المادة (58) مكرر (37) والتي تنص على أنه " تحال مشروعات القوانين من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى الذي يجب عليه البت فـي المشروع بإقراره أو تعديله خلال ثلاثة أشهر على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه ثم إحالته إلى مجلس الدولة الذي يجب عليه البت فيه بإقراره أو تعديله خلال خمسة وأربعين يوما على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه، فإذا اختلف المجلسان بشأن المشروع اجتمعا فـي جلسة مشتركة برئاسة رئيس مجلس الدولة وبدعوة منه لمناقشة أوجه الاختلاف بين المجلسين ثم التصويت على المشروع فـي ذات الجلسة، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وفـي جميع الأحوال على رئيس مجلس الدولة رفع المشروع إلى جلالة السلطان مشفوعا برأي المجلسين".
ومعنى ذلك كان الأجدر بأصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى الحضور الكامل لمؤازرة آرائهم فيما يطرحونه، وتبيان وجهات نظرهم فيما أضافوه من مواد جديدة من شأنه خدمة الصالح العام، وهنا ليس دعوة للانتصار على وجهة النظر الواحدة، ولكن كلما تعززت الآراء بالأغلبية كان التوجه سليما أكثر، واستصواب الرأي بصورة اكثر واقعية، فليس هنا لدى المجلسين أجندات خاصة لمصالح خاصة، ولكن هنا الجميع أمام مشروع وطن كبير له استحقاقات أكبر، وقد وكل أعضاء المجلسين من قبل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- بالوصول إلى هذه الاستحقاقات وتحقيقها على أرض الواقع.
إذن كلما كان العدد مكتملا من قبل الأعضاء كانت النتيجة أفضل بالطبع، إذ سيتم الاستماع للمزيد من الآراء التي ستصب في الصالح العام وهذا هو بيت القصيد من ضرورة اكتمال حضور كل الأعضاء الذين يمثلون كل ولايات السلطنة.
والذي يثير التساؤل أكثر أن دور الانعقاد السنوي لا يزال قائما، وبالتالي فما هي مبررات هذا الغياب، هناك من قال: إن كثير من الناس استعدوا للإجازات الصيفية، وهناك؛ ربما؛ من سافر من الأعضاء، وهذه كلها مبررات غير مقبولة من قبل أعضاء السلطة التشريعية، التي يبدأ دورها انعقادها بتاريخ محدد، وينتهي أيضا بتاريخ محدد، وليس حسب هوى العضو متى أراد الخروج أو البقاء.
إن حضور الجلسات المشتركة التي يناقش فيها أعضاء المجلسين مجمل التباينات في نصوص مواد مشروعات القوانين بين مجلسي الدولة والشورى في مشروعات القوانين المعروضة على المجلسين، ينظر إليها على أنها من أهم الأدوات البرلمانية التي تدخل في صميم اختصاصات المجلسين، فالجلسة المشتركة فاصلة للتصويت أو الاتفاق على نقاط الاختلاف، وتمثل أهمية كبيرة إزاء سن التشريعات في البلاد، وبالتالي عندما يحدث هذه الغياب بمجموع (33) عضوا من المجلسين، فإن في ذلك فقدان (33) صوتا أو رأيا كان لها وزنا تشريعيا مهما لذات المشروع، وتعزيز كبيرا للسلطة التشريعية التي تتجه إليها آمال المواطنين في القراءة الواعية لمتطلبات المرحلة التنموية التي تمر بها السلطنة، وهي مرحلة مهمة، لأنها مرحلة بناء وطن بكل مقوماته ومقدراته، مع الأخذ في الاعتبار أن المتفق عليه في الجلسة المشتركة يرفع إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم- حفظه الله ورعاه- وفق نص المادة أعلاه.
فالتعديلات التي رفعها مجلس الشورى على سبيل المثال على قانون الثروة المائية والحية في 6 مواد، بالإضافة إلى مادة جديدة اقترحها مجلس الشورى تتعلق بإنشاء صندوق لدعم الصيادين والحرفيين وعدم ضرورة وجود مادة تتعلق بالمخالفات، وعدم ضرورة وجود قيمة الضمان لمن أراد إصدار ترخيص صيد حرفي وغيرها من المواد محل الاختلاف، جميعها دفع بها المجلس انطلاقا من رؤيته بأنها تمس مصالح شرائح واسعة من المجتمع، غير أن الغياب أخل بموازين إقرار مثل هذه التعديلات الجوهرية.
نأمل من أعضاء المجلس الموقر "الشورى" وضع ضوابط لعدم تكرار مثل هذه الغيابات بـ "الجملة" حتى لا يختل العمل في المجلس التشريعي ككل، من خلال ضعف حضور أحدهما، خاصة في الجلسات المشتركة، والتي لا تصل إلى هذا المستوى المهم من الاجتماع إلا لمناقشة موضوعات في غاية الأهمية، وأهميتها أنها تؤسس منطلقات جديدة للتنمية حاضرا ومستقبلا، ولأن مثل هذه الغياب في حالة تكراره يؤسس لثقافة عدم الجدية والالتزام من الأعضاء أمام أفراد المجتمع الذين وضعوا فيهم كامل المسؤولية والأمانة، فهم ممثلوهم بلا منازع في كلا المجلسين، على أن لا ينسى أعضاء المجلس المنتخب بأنه "قاب قوسين أو أدنى" من انتخابات الفترة المقبلة على مشارف عام 2019م.