اجتماع أوبك في فيينا فرصة جديدة لإنقاذ العالم

مؤشر الاثنين ٣٠/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤٩ ص
اجتماع أوبك في فيينا فرصة جديدة لإنقاذ العالم

مسقط - فريد قمر
العالم ليس بخير. أسعار النفط تحسنت بشكل كبير مقارنة مع مطلع العام الجاري، لكن دولاً كثيرة ما زالت مهددة بالإفلاس. والدول النفطية الأوفر حظاً تسجل عجزاً كبيراً في ميزانياتها، وتتجه نحو خطط تقشف واقتراض كبيرة، ستفرض عليها سنوات من العجز قبل أن تتعافى.
وفي فيينا، حيث يعقد اجتماع منظمة أوبك الخميس المقبل، ستكون الفرصة متاحة للوصول إلى اتفاق كلي أو جزئي للتعامل مع الفائض في الإنتاج غير أن تعنت الدول وخلافاتها ما زالت تحول دون ذلك.

اعتبارات غير سياسية
وإذا كانت الاعتبارات السياسية واضحة في هذا المجال، فإن السبب الأول لعدم التوصل إلى اتفاق، هو اختلاف وجهات النظر حول الاستراتيجيات النفطية للمستقبل. فالمملكة العربية السعودية أن توجه رسالة إلى العالم: لست أنا من سيدفع فاتورة انخفاض أسعار النفط هذه المرة! قررت المملكة ألاّ تخفض انتاجها لكي لا يتكرر السيناريو القديم بان ترفع الدول الأخرى، في أوبك وخارجها، إنتاجها من جديد، فتحصل على حصة أكبر من حصتها العادية وذلك بالتأكيد سيكون على حساب المملكة.
لذلك قررت عدد من الدول، ومن بينها السعودية والسلطنة، الاستمرار في زيادة الإنتاج بل الأكثر من ذلك زيادة الاستثمار في القطاع النفطي لكي تضمن قدراتها الإنتاجية مستقبلاً، على اعتبار أن انهيار اسعار النفط سيوقف القدرات الاستثمارية لغالبية الدول المنتجة للنفط، وبالتالي فإن الاستثمار في النفط حالياً يضمن دعم القدرات التنافسية مستقبلاً. وهذا ما بدأ يحصل فعلياً مع توقف عدد كبير من حفارات النفط عن العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، وشطب بلايين الدولارات التي كان منوي استثمارها في النفط حول العالم، فضلاً عن انخفاض الإنتاج لأسباب تقنية في كل من كازاخستان وكولومبيا والمكسيك.
مما أدى فعلياً إلى ارتفاع طبيعي للأسعار معتمدا على الارتفاع الطبيعي للطلب على النفط، وتراجع الإنتاج في بعض الدول على رأسها نيجيريا وفنزويلا.

النفط يحرق العالم
لكن إذا كانت المملكة قادرة على التحمل في الظروف الحالية نتيجة الاحتياط الهائل الذي تملكه من النقد فإن الوضع ليس كذلك في عدد كبير من دول العالم.
فثمة الكثير من الدول التي مرت بأزمات اقتصادية في السابق باتت تدفع معظم ما تنتجه من النفط إلى دائنيها، وباتت عاجزة عن تمويل الإنفاق الاساسي في الدولة، ما دفعها إلى مزيد من الاقتراض ومزيد من العجز، أو في أفضل الأحوال إلى زيادة الإنتاج بشكل كبير (العراق مثلاً) لمحاولة تعويض الخسائر، وهو ما يساهم من جديد في لجم ارتفاع أسعار النفط.
فضلاً عن دول أخرى باتت فعلاً تعاني من نقص في العملات الأجنبية بسبب انخفاض العائدات النفطية، مما أدى إلى تضخم كبير في الاسعار وصل في فنزويلاً إلى 180 في المئة، وفي كازاخستان إلى 100 % مع انهيار عملتها أمام الدولار. كما سجلت جميع الدول المنتجة للنفط تقريباً عجزاً حقيقياً في ميزانياتها دفعها إلى اتخاذ إجراءات تقشف.

تحسن طبيعي
لكن منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك كشفت في تقريرها الأخير أن السوق النفطية التي لا تزال تعاني من فائض في الإمدادات، ستعود في العام المقبل إلى ما كانت عليه وتسجل عجزا صافيا بسبب انخفاض إنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة. أي أن أسعار النفط سيتم تصحيحها بشكل تلقائي من دون اللجوء إلى تخفيض أو تجميد للإنتاج.
ورجحت أوبك وجود "علامات متقاربة لانخفاض إنتاج البلدان غير الأعضاء، والتي ربما ستعيد السوق إلى ما كانت عليه وتضعها في عجز صاف خلال 2017"
لذلك ترى المملكة العربية السعودية أن لا حاجة لديها لخفض أو تجميد حجم الإنتاج مادامت السوق تصحح نفسها بنفسها، وهذه الاستراتيجية ستمنحها حصة أكر من السوق بدلاً أن تفقدها في حال سارت في قرار خفض الإنتاج.
وإذا كانت الاسعار عند حدود 50 أو 55 دولار للبرميل مقبولة بالنسبة لكل من المنتجين والمستوردين للنفط، وهو ما بدأت الأسعار بالوصول إليه من دون خفض الإنتاج، فإن ذلك سيدفع الدول إلى انتظار نحو سنة كاملة على الأقل، لبدء تعويض الخسائر الكبيرة التي منيت بها من منتصف العام 2015 إلى منتصف العام الجاري.
لذلك فإن الاستمرار بالسياسة الحالية لأوبك وعدم التوصل إلى اتفاق سيكون كارثياً على المدى القريب، وإن كان سيفيد بعض الدول مستقبلاً، لأن الثمن الذي تدفعه الدول والشعوب على هذه الاستراتيجية قد يفوق طاقتها على التحمل.
وعليه قد تضغط دول مجموعة أوبك على بغض أعضائها من أجل الاتفاق على تجميد ولو موقت للإنتاج من أجل تفادي الكارثة، لكن هذه الفرصة لن ترى النور ما لم يلتزم منتجون آخرون من خارج أوبك باقتراح كهذا.