الكتابة.. ودروس ماركيز

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٥٤ ص
الكتابة.. ودروس ماركيز

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

في ركن صغير للكتب صادفت المجموعة القصصية “الحب.. وشياطين أخرى” لجابرييل جارسيا ماركيز، أهم كتاب الرواية العالميين، ولم أترك للذاكرة مجالا لتختبر نفسها إن كنت قد اقتنيت هذا الكتاب سابقا، أو ربما قرأته في زمن ما، لأن استعادة القراءة مهمة، فقد نفهم في التجربة القرائية الثانية ما فاتنا في الأولى.. ولا خسران في شراء كتاب.

قال المترجم د. وليد صالح عن المجموعة، وقد ترجمها العام 1992، إن القصص “تمّت روايتها بأسلوب متقن، وتخيّم عليها أجواء ساحرة ومزاج ساخر ولاذع لتخلق شخصيات واقعية مدهشة، ويحاول الكاتب فيها جميعا أن يعبر عن الضعف الإنساني وبؤس الحياة من خلال ما تتعرض له شخصياته من أمراض وموت”، وصولا إلى قوله إن القارئ “يعيش الحدث ويتمتع بلغة السرد اللذيذة والجميلة”.

في كل كلمـــة وصفهـــا المترجم للقصص ينبغي التوقف من قبل كاتبي القصة، فهي ليست حكاية عابرة، ولا نقل أحداث كما تفعل نشرات الأخبار، وليست تقريرا صحفيا عن حالة، إنها كما يعبّر ماركيز نفسه عن الكتابة السرد الشعري للواقع، فجاءت “الواقعية السحرية” كأبرز وصف للمدرسة الكتابية التي وسمت كتابات ماركيز وقد تجلت في رائعته “مائة عام من العزلة”، والتي لم تبلغ شأنها حتى الأعمال التالية، وبينها “الحب في زمن الكوليرا”.

تجاوزت عثرات الأخطاء الطباعية، وما أكثرها في كل صفحة، لأتوقف أكثر عند مقدمة المجموعة، والتي كتبها ماركيز، مبيّنا لماذا اختار 12 ولماذا قصص، ولماذا نادرة؟، يشير إلى أنه كتبها على مدار 18 عاما، وعبّر عنها بالقول “كانت تجربة إبداعية غريبة تستحق الدراسة” وصولا إلى منح الأطفال الذين يودون أن يصبحوا كتّابا عندما يكبرون فكرة أن الكتابة “جشعة وسامجة ورذيلة”.
من أبرز رسائل ماركيز حول الكتابة أن الفقرة الأولى من أية رواية لا بد فيها من تحديد كل شيء: التركيب، النبرة، الأسلوب، الإيقاع، الطول، وأحيانا حتى ميزات بعض الشخصيات، مشيراً إلى أن ما يتبقى “ليس سوى لذة الكتابة” مذكراً بجملة سلوانية قالها أحدهم إن “الكاتب الجيد يقيّم بشكل أفضل باعتبار ما يرميه لا باعتبار ما ينشره”.
والدرس الأهم بدا جلياً في طريقة الكتابة مرة إثر أخرى للوصول إلى “الأفضل” حيث التجارب على النص، معنى ومبنى، تضع الكاتب أمام مفترقات طرق لإيجاد ما عبّر عنه المترجم في مقدمته، الأسوب المتقن و..... يقول ماركيز في ختام مقدمته: “اعتقدت دائما بأن الكتابة الأخيرة لأية قصة هي أفضل من سابقاتها، كيف لنا، إذن، أن نعرف أيها يجب أن تكون الأخيرة؟ إنه سر المهنة الذي لا يخضع لقوانين الذكاء، بل لسحر الغرائز. وهذا شبيه بعمل الطباخة التي تعرف متى ينضج الحساء”.
هل تكمن مشكلتنا في أننا لا نعرف على وجه التحديد متى ينضج حساء كتابتنا، ولذلك فإن هناك من يقدمه نيئاً، أو لا يهتدي لمستوى النار التي تنضج عليه الطبخة فتأتي محروقة، بسواد يصيب النفس بالكآبة؟