الإشاعه فى زمن الواتس

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٣ ص
الإشاعه فى زمن الواتس

د. حامد بن شظا المرجان

ساعدت وسائل التواصل الاجتماعى على نمو ظاهرة الاشاعه المفتعله بشكل مخيف حيث يتم تبادل الافكار والمعلومات المغلوطة بشكل تهدد المجتمعات واستقرارها. على سبيل المثال اذا مختل عقليا بعث بمعلومة او برسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعى الفيس بوك على سبيل المثال نجد بانها اصبحت فى متناول الجميع فى ثوانى، السؤال لماذا لا يفكر متلقى الرسالة بان هذه الرسالة غير منطقية وتحتوى على مضمون اومعلومات تسيء للاخرين وممكن بان تهدد استقرار فرد او اسرة اومجتمع اذا تم تداولها. كثير من الرسائل او المعلومات الذى يتم تداولها عن طريق المنتميين الى مجتمع التواصل الاجتماعى الفيس بوك والتويتر خرجت عن مفهوم الاشاعة المتعارف عليه لان الاشاعة فى كثير من الاحيان تكون منطقية ومقنعة ليتم تصديقها ولكن الاشاعه التى يتم تداولها عبر وسائل الاتصال الاجتماعى الواتس اب وغيره لا تنتشر الا فى اوساط الاشخاص اللذين ينتمون فى غالب الاحيان الى ما يسمى بمجتمع الامية المقنعة. والأمّية "المقنّعة " يقصد بها الإنسان الذي لا يملك معرفة كافية لاستغلال عقله والتمييز بين ماهو خير او شر او ماهو منطقى او غير منطقى وخاصه فى الامور والقضايا التي تتعلّق بالمجتمع وأمنه وقضايا المعقده فى الاقتصاد والسياسه وغيره من الامور التى تحتاج لتوضيح وتفسير من خلال المختصيين. ويمكننا القول إن الأمية ظاهرة عالمية، لها أسبابها المختلفة من مجتمع إلى آخر. وظاهرة الامية المقنعه منتشرة في دول العالم النامى او دولنا العربيه لاسباب عده منها جودة التعليم لانه يعتمد على التلقين وليس على الفهم، غياب الحكم الديموقراطى وحرية التعبير والاعلام وتسييس وسائل الاعلام الرسميه والخاصه وبذلك يتكون ما يسمى بالثقافه السمعية يعتمد فيها الفرد لتكوين راية حول موضوع او قضيه ماعلى مايسمعه ويتم تداوله بين المجموعات المختلفه او الافراد. بالرغم ماقدمته تقنية المجتمع والمعلومات من فوائد كبيرة ولكنها فى الوقت نفسة ساعدت التقنيه الحديثه الواتس اب وغيره هذه المجتمعات على نقل المعلومات المغلوطه وبعض الصورالخارجه عن الاخلاقيات والعادات والتقاليد المحموده. الخطر فى هذا الموضوع بان الاشاعه تنتقل بسرعه حيث لايمكن لاى نظام او سلطه بان تمنع انتشارها الا بعد فوات الاوان.وقد حذرت بعض المنظمات الدوليه من أن الإحصاءات تشير إلى ارتفاع مخيف لعدد الأميين العرب وأكدت في تقريرها الصادر بمناسبة اليوم العالمى لمحو الأمية أن هذه النسبة الحالية تساوى ضعف نسبة الأمية على الصعيد العالمى، وأنها تمس الشريحة العمرية من 15 سنة فما فوق. وقد نبهت المنظمات الدوليه إلى أن الجهود الحالية فى مجال محو الأمية تنصب فى أغلبيتها على الجانب الأبجدى، وأن الحكومات العربية عموما تكتفي بـ"محاربة الجهل" عبر التركيز على أساسيات القراءة والكتابة وبعض عمليات الحساب دون الاهتمام بمحو بعدها الثقافي والانسانى والحضاري ورفع نسبة كفاءة العقل والمنطق لمواطنيها " الاميه المقنعه". ودعت منظمة اليونسكو، جميع الدول العربية إلى اعتماد البحث العلمى لتقويم أثر برامجها المعتمدة في مجال تعليم محو الاميه، وأنه الأسلوب الأمثل للتأكد من جدوى تلك البرامج وتلمس مجالات تطويرها باستمرار، كما دعت إلى البحث عن سبل استثمار أفضل الطرق والعمل على تطوير الإمكانات البشرية والمالية المناسبة والقرار السياسى الكفيل بتفعيل حركة تعليم الكبار وسد منابع الأمية المقنعه عبر تبنى مناهج جديده.واذا اعتبرنا بان محو الامية عن طريق القراءة والكتابة تساعد على محو الامية المقنعة هل أصبحت البلاد العربية كما في مجتمعات أخرى أمريكية أو أوروبية أو يابانية تقرأ في القطارات، والمقاهي، وعند الاسترخاء على الأرائك والأسِرّة . لا تزال الأمية الأبجدية مرتفعة جدا في العالم العربي قياسا بالاحصائيات العالمية ؛ رغم اعلان الحكومات العربية المستمر عن انقاذ الألاف من براثن جهل الابجدية القراءة والكتابة. واذا اسلمنا القول بان هناك جهود عربية للقضاء على الامية الابجدية فى عالمنا العربى فان معالجة أزمة الأمية المقنعة فى عالمنا العربي في حاجة الي تحقيقات ميدانية لاستبيان التقدم الفعلي في هذا المجال وتبني مشروع وطني لمكافحة الأمية المقنعه التى اصبحت تشكل خطرا امنيا على العالم العربى من خلال قنوات التواصل الاجتماعى. التواصل الاجتماعى فى ظل الامية المقنعه خطر يحدق بتقدم العالم العربى باعتبارها اى الامية المقنعه من خلال التواصل الاجتماعى الحفرة التي تقطع جسر التواصل بين حضارات وشعوب العالم العربي، وكذا أرضاُ خصبة تنمو فيها أفكار الخرافات و الهدم والتطرف والعنصريه بين ابناء الامه العربيه، فارتفاع نسبة الأمية المقنعه فى التواصل الاجتماعى فى العالم العربى وعدم التعامل معها وافتقاد القدرات الذهنية المهنية اللازمة لمواكبة الحياه والتطوير والتواصل بين الشعوب، وتفتيت معدلاتها المخيفة، يعتبر وحشا يلتهم المنجزات الانسانية ويساعد التطرف وتبنى معتقدات وافكار تساعد على تفشى ظاهرة العنف والحقد وعدم التسامح فى عالمنا العربى اليوم .ما زالت المنظمات الدولية تبذل جهودا كبيرة في مجال محو الامية المقنعة التى وجدت قنوات التواصل الاجتماعى طريقا للنمو واذا كانت الامية الابجدية بذورا جيدة لنمو وتطور الامية المقنعة التى تهدد استقرار عالمنا العربى اليوم فأنها فى نفس الوقت تنشر الجهل والتخلف فى هذا المنطقه من خلال مايتم تداوله من معلومات مغلوطه. وقد وصف برنامج الأمم المتحدة " الأمية المقنعة " أنها أخطر ما يواجه العالم العربى اليوم حيث وصفت برامج محوها بأنها الأضعف حاليًا في العالم. الامية المقنعة لا يمكن محاربتها عبر المدارس والجامعات اذا لم تكن هناك سياسات اعلامية سليمة و مناهج دراسية بمبنية على تعليم الطالب كيفية استغلال العقل للتفكير بطرق منطقية سليمة فاننا نواجه مشكلة تتسبب فى كل ما نعانيه من جهل وتخلف.

باحث ومستشار تنموي