إعادة تشكيل الأرض ما بعد العثمانية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٣ ص
إعادة تشكيل الأرض ما بعد العثمانية

ديفيد إغناتيوس

انتهت الجولة التي قمت بها في مناطق الحرب في العراق وسوريا مع القائد الأمريكي في تركيا، أقوى قوة في المنطقة، والمكان الذي بدأت فيه المشكلات والمتاعب الحديثة قبل مئة عام مع انهيار الإمبراطورية العثمانية.
إن الحقيقة الاستراتيجية بشأن الحرب الحالية ضد تنظيم داعش هي أن هذه الحرب هي جزء من عملية أكبر من إعادة ترتيب هيكل ما بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية لهذا الجزء من العالم. نحن لا نعلم كيف ستكون النتيجة ولا كيف ستبدو الحدود؛ بل إن الولايات المتحدة ليست حتى متأكدة مما تريده، في الوقت الذي تتبارى فيه القوى المحلية من أجل مصالحها. ولكن هذه هي القصة الكبيرة التي كثيرا ما تفوتنا، وسط هجمات الطائرات بدون طيار والتفجيرات الإرهابية.
وقد نتج عن رحلتي مع الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، موضوعان:
* مازالت القوة العسكرية الأمريكية هي السائدة والمهيمنة. ومازلنا نحن "ترسانة الديمقراطية"، إن جاز استخدام هذا التعبير، وبمجرد أن أن تدور آلة الحرب الأمريكية فإنها تجلب قوة مدمرة على خصومها مثل تنظيم داعش. والآن، بعد أن أصبح جيشنا موظفا في نهاية المطاف بشكل أكثر عدوانية ضد هذا التنظيم الإرهابي، فإن هذا العدو أصبح في تراجع، وما لم نفقد صبرنا، سيتم تدميره في نهاية المطاف.
* على النقيض من ذلك، فإن القوة السياسية الأمريكية محدودة ومشوشة. فنحن لدينا أهداف متضاربة. فنحن نتحدث عن الحفاظ على دولة موحدة في كل من سوريا والعراق، ولكننا أنشأنا الآن ما يرقى إلى أن يكون منطقة آمنة للأكراد السوريين وحلفائهم في شمال شرق سوريا. وكما فعلت عملية "توفر الراحة" لأكراد العراق منذ 25 عاما، هذا سيشجع على إنشاء منطقة حكم ذاتي كردية. فهل لدى الاستراتيجيين الأمريكيين رؤية للتوفيق بين هذه الأهداف المتعارضة؟ لا أرى ذلك.
خلال رحلاتي في الأسبوع الفائت مع جوزيف فوتيل، واجهت بعض الشذرات القليلة التي وضحت بعض حقائق هذا الصراع التي يراها المحاربون ولكن عامة الناس عادة لا يرونها.
ففي داخل أحد مراكز العمليات القتالية التي تدير الحرب، وتحت الشاشات الضخمة التي تساعد الجيش على تنسيق طائرات الاستطلاع بدون طيار والعمليات الهجومية الحالية، تستطيع أن ترى ثلاث رسائل تذكير حول كيفية معالجة كل هذه المعلومات: "هل مطلوب اتخاذ قرار؟"، "من آخر من يحتاج هذه المعلومات؟"، "هل هذه المعلومات تغير تقدير القائد العسكري؟". وأنا أتساءل هل هناك قائمة مرجعية مماثلة في البيت الأبيض؟
عندما تسافر مع الجيش الأمريكي تكون في داخل فقاعة من التفاؤل تؤكد على كل ما يسير على ما يرام وتقمع السلبيات، لتفيد بأن النصر يبدو دائما أقرب مما هو عليه في الواقع.
لخص أحد الضباط، في بيان حول العمليات الأمريكية ضد تنظيم داعش، الوضع على هذا النحو: "أحد الجانبين يذهب إلى المباريات النهائية الفاصلة، والجانب الآخر يذهب إلى ساحة المواقف". تقييم أمريكي محبب، ولكن ليست هذه هي الطريقة التي تسير بها الصراعات في هذا الجزء من العالم. فالخاسرون لا يذهبون أبدا إلى ساحات المواقف، إلا إذا تم إزالتهم بإبادة جماعية. إنهم يتراجعون ثم يعودون بأشكال جديدة.
هناك تعليق آخر يعكس تفاؤلنا الذي ليس في محله، جاء من الجنرال شون ماكفارلاند، الذي يدير الحرب من بغداد، ويعد أحد أفضل القادة العسكريين في الولايات المتحدة. قال ماكفارلاند عن تصاعد هجمات داعش الأخيرة ضد العراقيين في بغداد: "من بعض الأوجه، هذا مؤشر على نجاحنا، أن العدو قد اضطر إلى تغيير تكتيكاته". لقد سمعت تعليقات متفائلة مماثلة على مدى عشر سنوات في العراق وأفغانستان، ولكن الحقيقة المؤسفة هي أن التفجيرات الانتحارية، مهما كانت يائسة، تجعل هذه المنطقة غير مستقرة وغير قابلة للحكم والنظام بشكل أو بآخر.
على القادة العسكريين أن يكونوا حذرين من تجاوز قواعد الدعم السياسي لهم. لقد قال أحد القادة محقا إن تنظيم داعش هو مثل السرطان. وعند قتل هذا التنظيم، عليك أن تتأكد من أنك لا تقتل المريض. واستخدم قائد آخر التعبير العربي الدارج "شوية شوية" (ببطء ببطء) في وصف الاستراتيجية الصحيحة لاسترداد عاصمتي داعش: الموصل والرقة.
إذا نظرنا إلى هذه الحروب على أنها جزء من عملية أوسع نطاقا، عملية عمرها عقود لإعادة تشكيل النظام ما بعد العثماني، سندرك كم هو سهل ارتكاب أخطاء دائمة. لقد تم استبدال القوى الاستعمارية الماكرة التي كانت موجودة عام 1916 بقوى إقليمية مثل تركيا وإيران والسعودية، وهي قوى تعمل كوكلاء محليين ضد بعضها البعض للحفاظ على مصالحها الوطنية. ونحن نرى الأكراد الشجعان، مرة أخرى، يعملون لتحقيق الوضع الوطني الذي يستحقونه ولكن المنطقة قد لا تكون قادرة على الاستيعاب.
ونرى الولايات المتحدة: قوية، صبورة، غير متأكدة من كيفية إحداث تكامل بين أفكارها ومصالحها. النتيجة التي توصلت إليها من رحلاتي في الأسبوع الفائت هي أن الجانب العسكري للولايات المتحدة يسير على ما يرام، ولكن الجانب السياسي يحتاج إلى المزيد والمزيد من العمل.

كاتب عمود في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست.