مصلحة الوطن و....الديمقراطية .

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/مايو/٢٠١٦ ٠٠:١٨ ص
مصلحة الوطن و....الديمقراطية .

علي بن راشد المطاعني

الجلسة المشتركة التي عقدها مجلسا الدولة و الشورى بناء على الأوامر السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابو س بن سعيد المعظم - حفظه الله - و رعاه، لإقرار المواد محل الاختلاف في مشروعات القوانين الاستثمار الأجنبي و ضريبة الدخل و التأمين ، تكتسب أهمية كبيرة على العديد من الأصعدة و المستويات، وتعكس سمو الممارسة الديمقراطية في البلاد ، كما تعد من أروع المشاهد التي تعزز الحوار في حسم قضايا الاختلاف بين مجلس عمان بغرفتيه الدولة و الشورى ، وهو تطور يكرس في حد ذاته أهمية الرؤى المشتركة في إيجاد أرضية لحل الاختلافات بين المجلسين وفق التصويت بالأغلبية ، ووفق ما نص عليه نظام الجلسات المشتركة بين المجلسين، و رفع المقترحات مشفوعة برأي المجلسين إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - الأمر الذي يجسد مفاهيم دولة المؤسسات و القانون في كيفية اتخاذ القرار ليكون معبراً عن الجميع بطريقة ديمقراطية صحيحة و عادلة، ويعبر هذا الاسلوب الحضاري في التعاطي مع التباين عن نضج في ممارسة العمل البرلماني بالطرق الصحيحة و المتدرجة التي ‏تعبر عن كيفية معالجة الاختلافات في إقرار التشريعات في السلطنة.
فبلاشك أن الجلسة المشتركة بين مجلسي الدولة و الشورى تعكس الإعتماد على آليات جديدة في إقرار القوانين في حالة وجود اختلافات بين المجلسين في تقدير بنود و مواد القوانين التي تنظم الحياة الاجتماعية و الاقتصادية في البلاد ، وتمثل فصلاً عملياً بطريقة أكثر عدالة بين ممثلي المجلسين على اختلاف مشاربهم....
و لعل تصويت أعضاء مجلس الدولة مع الشورى في إقرار القوانين الذي جاء بالأغلبية له دلالات كبيرة جدا أهمها أن المصلحة العامة كانت حاضرة لدى أعضاء المجلسين،كذلك يكتسب التصويت على مقترح مجلس الشورى برفع ضريبة الدخل على التعدين و البتروكيماويات إلى 35 بالمائة أهمية كبيرة ، خاصة وأن أ مجلس الدولة أقر سابقا النسبة ب 15 بالمائة ، وفي هذا دليل على أن هناك أعضاء من مجلس الدولة أيدوا بقوة مقترح مجلس الشورى برفعها إلى تم إقرارها في الجلسة المشتركة ، وهو مؤشر ايجايي يؤكد أهمية مثل هذه الجلسات المشتركة للتوافق على الاختلاف في التشريع .
كذلك تم التصويت على إقرار مقترح مجلس الشورى برفع ضريبة الغاز المسال إلى 55 بالمائة في حين أن مجلس الدولة أقرها ب 15 بالمائة و جاءت نتيجة الجلسة المشتركة بإقرارها بنسبة 55 بالمائة أيضا، مراعاة للمصلحة العامة التي تمليها الضرورات في المرحلة الراهنة، خاصة في التعاطي مع ثروة كالغاز الذي يشتد عليه الطلب محليا اكثر من اي وقت ، فالسلطنة تصدر كميات هائلة الى الخارج بموجب عقود طويلة المدى باسعار ضيئلة جدا مقارنة بالاسعار في الاسواق العالمية .
ومن الطبيعي ان ينحاز أعضاء مجلسي الدولة و الشورى الى خيار رفع الضريبة الى هذا المعدل المنصف وفقاً للعديد من الاعتبارات الآنفة الذكر ،و حاجة الاقتصاد الى تنويع مصادر الدخل ،بل ان البلاد بحاجة ملحة الى الغاز لتوليد الطاقة و تشغيل المصانع و اسخدامات اخرى متعددة.
فالجلسات المشتركة بين المجلسين تؤشر إلى الإجماع الذي يحصل عليه المشرع في إقرار القوانين في البلاد ،والرد على أية ملاحظات أو انتقادات لقواعد تنظيم الاستثمار في البلاد، فالمجلسين يضمان ما يربو على 170 عضوا يمثلون كل شرائح المجتمع ، ويضمان نخبة من الخبراء و المسؤولين السابقين و رجال الأعمال و المفكرين الجديرين بتولي المسؤولية المناطة بهم في إقرار التشريعيات الملائمة للبلاد في المرحلة.
إن الاختلاف في النظم و القوانين في البلاد أمر طبيعي ووارد وفقاً للمصالح و الدواعي، فما يراه رجل الأعمال صعبا أو معوقا له في عمله منطلقا من مصالحه و أعماله و مدى تأثرها من عدمه، يراه البعض الآخر مهم للبلاد في تعزيز الإيرادات غير النفطية و الاستفادة من موارد البلاد الطبيعية و ان المرحلة تقتضي بأن يترفع الجميع عن الأنانية في مناقشة التشريعيات و القوانين إلى ما هو أكبر و أعلى من المصالح الضيقة، فالثروات الطبيعية كالمعادن و الغاز ذات أهمية كبيرة للبلاد و العباد بعضها اليوم مرهون بإرادة أشخاص يتصرفون بها كيفما شاءوا في حين أن هذه ثروات عامة.
ان الاستثمار في هذه القطاعات لايتأثر برفع الضرائب بقدر ما تحفزه قيمة ما يستفيد منه من موارد مالية نتيجة الاستثمار الطبيعي للموارد طبيعية ربما تتفرد بها البلاد ، هناك دول تؤمم مثل هذه الثروات باعتبارها ثروات قومية لايمكن ان يتفرد بها افراد.
هناك طبعا معارضات من بعض المتأثرين بزيادة الضرائب على هذه الثروات الطبيعية ربما لتأثرهم كمستثمرين بانخفاض عوائدهم ، هذا متوقع من أي مستثمر يطمح في المزيد غير مبال بالاستحقاقات الوطنية وواجبات المستثمرين الاجتماعية ،و يريد ألا تنتهي شهور العسل، ويلوح باجراءات تهديدية غير ملائمة ، لكننا لن نتوقف عند طمع المستثمرين
نأمل أن يستمر كل من مجلس الدولة و الشورى في مراجعة التشريعيات و النظم التي من شأنها ان ترفد ايرادات الدولة غير النفطية و ايجاد الحلول في ايجاد نظم متوازنة تحقق غايات الدولة في هذه الفترة العصيبة التي تعد مناسبة لمراجعة كل القوانين الهادفة الى التكيف مع المتغيرات الاقتصادية و تقويم المجتمع على نحو صحيح ،و على رجال الاعمال تفهم هذه الجوانب التي فيها مصلحة وطنية و عدم الانجرار الى ردود افعال لاتعبر عن الواقع ،و اظهار السلبية في التعاطي مع هذه التطورات ، لأن الجميع في بوتقه الوطن الذي يجب ان ننهض به في سبيل الوصول الى التطلعات بتقليل الاعتماد على النفط ،فالضريبة لابد ام نتقاسمها جميعاً و ان نعي ادوارنا في كل مرحلة بدون مزايدات.