استراتيجية النمو المنقوصة في الصين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/مايو/٢٠١٦ ٠٠:١٨ ص
استراتيجية النمو المنقوصة في الصين

يو يونج دنج

كان النمو الاقتصادي الصيني في تباطؤ منذ ست سنوات ــ وهي فترة أطول كثيرا مما كان متوقعا. وفي حرصهم على وقف الانحدار، سعى المسؤولون في الحكومة الصينية والاقتصاديون حثيثا إلى إيجاد تفسير واضح يشير نحو استجابة سياسية فعّالة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ألقوا اللوم رسميا على أوجه القصور الطويلة الأجل على جانب العرض، والتي تعهدوا بمعالجتها بالاستعانة بإصلاحات بنيوية بعيدة المدى.
ولكن برغم أن المسؤولين الصينيين يستحقون الإشادة لالتزامهم بتنفيذ إصلاحات بنيوية مؤلمة ــ ومطلوبة بشدة ــ فإن التركيز على جانب العرض يتجاهل إلى حد كبير الوقت الحاضر. فالصين تواجه تحديين منفصلين: القضية الطويلة الأجل المتمثلة في انحدار معدل النمو المحتمل، والمشكلة الحالية المتمثلة في النمو الفعلي الأدنى من المحتمل.
بين العوامل الطويلة الأجل التي تعمل على تقويض النمو المحتمل يكمن تضاؤل عوائد الحجم، واتساع فجوة التفاوت في الدخل، وتناقص مجال اللحاق التكنولوجي من خلال التقليد. وعلاوة على ذلك، حتى مع تلاشي حصة الأرباح المترتبة على الميزة الديموغرافية التي تتمتع بها الصين، فإن قدرتها الاستيعابية (حجم السكان الذي تستطيع البيئة أن تتحمله) بدأت تستنفد ــ وهو الوضع الذي يتفاقم سوءا بكل تأكيد بفِعل المستويات العالية من التلوث. أخيرا، وفي المقام الأول من الأهمية، تعاني البلاد من نقص التقدم على مسار الإصلاح الداعم للسوق.
ورغم أن بعض هذه العوامل لا رجعة فيها، فمن الممكن معالجة غيرها بطريقة فعّالة. والواقع أن استراتيجية إصلاح جانب العرض التي تتبناها الحكومة سوف تقطع شوطا طويلا نحو القيام بهذا على وجه التحديد، وفي نهاية المطاف تثبيت استقرار بل وحتى رفع إمكانات النمو في الصين. ولكنها على النقيض من الاعتقاد الشائع لن تعزز معدل النمو الفعلي في الصين اليوم.
ما السبب إذن وراء اقتناع العديد من الاقتصاديين بأن استراتيجية الإصلاح الطويلة الأجل هي كل ما تحتاج إليه الصين؟ يرجع أحد الأسباب إلى فكرة شائعة على نطاق واسع مفادها أن القدرة الفائضة اليوم تعكس مشاكل على جانب العرض، وليس نقص الطلب. ووفقا لهذا الرأي، ينبغي للصين أن تنفذ سياسات مثل خفض الضرائب لتشجيع الشركات على إنتاج المنتجات التي يزداد عليها الطلب الحقيقي. وبهذه الطريقة لن تدعم الحكومة عن غير قصد "الشركات الميتة الحية" التي لا يمكنها البقاء من دون الحصول على القروض المصرفية والدعم من الحكومات المحلية.
لكن بعض القدرة الفائضة فقط لدى الصين يمكن إرجاعها إلى قرارات استثمارية رديئة. ذلك أن حصة كبيرة من ذلك الفائض نشأت بسبب الافتقار إلى الطلب الفعّال. ويرجع هذا ولو جزئيا إلى الجهود التي تبذلها الحكومة لتخفيف الاستثمار العقاري، والذي تسبب في الهبوط الحاد الذي سجله نمو القطاع السنوي من 38% عام 2010 إلى 1% فقط بحلول نهاية 2015.
ولأن الاستثمار العقاري لا يزال يمثل أكثر من 14% من الناتج المحلي الأجمالي وفقا لبيانات العام الماضي، فإن انحدار النمو في القطاع يفرض ضغوطا هبوطية كبيرة على الاقتصاد ككل، وهو ما يساعد في دفع الصين إلى دوامة انكماش الدين. ومع تسبب القدرة الفائضة في دفع مؤشر أسعار المنتِج إلى الانخفاض ــ والذي كان في انخفاض لمدة 51 شهرا متتالية حتى الآن ــ يرتفع حجم الدين الحقيقي. ويعمل هذا على تقويض ربحية الشركات، وحفز الشركات إلى تقليص ديونها والحد من الاستثمار، وتغذية المزيد من الانحدار في مؤشر أسعار المنتِج.
الرئيس الأسبق لجمعية الصين للاقتصاد العالمي، ومدير معهد الاقتصاد العالمي والسياسة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية،