"أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ"

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/يناير/٢٠١٦ ٠١:١٠ ص
"أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ"

الشيماء بنت علي الرئيسية *

«مهرجان مسقط القشة التي قصمت ظهر البعير».. بهذا العنوان افتتح أحد الكتّاب مقالته قبل أيام، واسترسل بعد ذلك في عرض الكثير من التناقضات التي تنمُ عن عدم إدراكٍ لمجريات الأحداث، وعلى وجه الدقة الشكوى القضائية التي رفعتها في الفترة الفائتة حول جدوى إقامة مهرجان مسقط للعام الحالي، وضرورة تأجيله، بهدف وضع دراساتٍ متخصصة لتطويره وفق أبجديات محددة ترقى بالمأمول منه على كافة المستويات والأصعدة.

رفع القضية جاء متوافقاً مع حرية التقاضي ودرجاته كما بينتها القوانين والتشريعات الوطنية، آخذة على عاتقي المسؤولية المهنية والأدبية والمجتمعية خلال فترة عضويتي في المجلس البلدي. وعوداً على بدء، فقد ذكر الكاتب حرفياً أن طلب العضو «وقف مهرجان مسقط يعطي إشاراتٍ سلبية تضر بمكانة البلاد في المحافل الدولية». وأقول إن هذه الجملة توضح بما لا يدع مجالاً للشك غياب الإدراك المعرفي والشمولي لدى الكاتب وعدم إلمامه أولا بمفهوم ترسيخ دولة المؤسسات والقانون وثانيا انعدام حضور الفهم البناء والحقيقي لمكونات الدولة ودعائم قوتها على المستويين المحلي والعالمي. كما أني لم أطالب بوقف المهرجان وإنما تأجيله، علما بأن كلمة «وقف وإيقاف» تَكَرَّرَتْ ست مرات ضمن المقال، ولو تتبع الكاتب تفاصيل القضية لعلم يقينا أن المجلس البلدي بمحافظة مسقط عقد عددا من الاجتماعات للنظرِ في الموضوع والخروج بعد ذلك بتوصية يرى فيها ضرورة تأجيل المهرجان، فهو أمر أجمع عليه المجلس وليس قرارا فرديا من عضو بعينه.

إن الاهتمام بالشأن الخارجي أمر غاية في الأهمية، لكنه لا يتأتى - والكل يعلم بذلك- إلا بعد رسوخ مبدأ سيادة القانون وهذا أمر أكد عليه جلالة السلطان المعظم - حفظه الله- حين قال: «إن أردت أن تكون قويا في الخارج فكن قويا في الداخل»...، وللأسف غاب عن ذهن الكاتب أن اللجنة المنظمة لمهرجان مسقط 2016م ألغت كافة الإعلانات التي يتم نشرها على القنوات العالمية والمنشورات الدعائية في بعض الدول كما جرت عليه العادة، وهذه نقطة أخرى لا تعين الكاتب في محل تبريره للصورة الوهمية التي رسمها للمهرجان بوضعه الحالي في قدرته على تحقيق مكسب حقيقي للسلطنة.
وقد ناقض الكاتب نفسه حين كان يَحشُو أسطره بكلمات وتفاصيل بعيدةٍ عن المسار القانوني الذي سلكته تفاصيل قضية «تأجيل» مهرجان مسقط.
نعم، لقد كان كمن يبحث عن «الحجر» في وقت كنّا نبحث فيه عن «الإنسان»، رأس مال عُمان، الكادح، المُحرك، وقطب الرحى الذي تتحرك من أجله كافة الجهود.
يسترسل كاتب المقال فيقول: «وهكذا نعود للوراء في التحكم في الأهواء بواسطة البعض الذين لا يفقهون ماهية هذه المهرجانات ودورها الثقافي والحضاري والإنساني». فليسامحك الله، ومن باب الأمانةِ في كتابة التاريخ المُدون ونقله كما هو فإن صاحب المقال كان قد كتب في وقتٍ سابق بصفتهِ الشخصية، وتحديدا في العام 2008م بجريدة الوطن العمانية، مقالا أشار فيه حرفيا إلى «ضرورة الارتقاء بالذوق العام في مهرجان مسقط». وهنا مرة أخرى تطفو على السطح آفة التناقضات التي قد يعيشها الفرد مع نفسه حين ينسى ما يريد أو ما كتب في لحظة صفاءٍ وصدق، وليته أدرك أن الحراك الذي حصل في الفترة الفائتة حول ضرورة تأجيل مهرجان مسقط 2016م ما كان إلا لضرورة التطوير والارتقاء بالذوق العام، وذلك أمر من شأنه -إن تم- إحداث نقلة نوعية في المُقدم من عمل وبالتالي الارتقاء بسمعة المهرجان محليا وعالميا، ليعزز جذب المزيد من السياحة والدخل المادي للأفراد والمؤسسات.
كما عرّج الكاتب على الجدوى الاقتصادية لمهرجان مسقط فقال عن طلب «وقف» المهرجان: «إن اختيار التوقيت في حد ذاته سيئ لأن البلاد تسعى بكل الطرق نحو التنوع الاقتصادي». وهنا نقول بلسان المحبِ لوطنه إن الأسوأ من كل ذلك، أيها الكاتب، أن تبقى تفاصيل المهرجان على ما هي عليه دون تطوير أو تحديث، كما أن الأمر الذي يحار منه كل ذي بصرٍ وبصيرةٍ، عندما نجد أن سلسة إجراءات حكومية سبقت موعد المهرجان تدعو للترشيد في معظم القطاعات، وأقرت تأجيل المشروعات غير الضرورية، وعندما نضع المهرجان ضمن قائمة المشاريع غير الضرورية فقد كان قياسًا للموازنة المليونية المرصودة يقابلها جدوى اقتصادية خجولة على كافة الأصعدة، ولو قُدّر للكاتب أن يطّلع عليها لانبرى لكتابة ونسج عشرات المقالات نقدًا لذلك الهدر غير المبرر، وفقا لما تعود عليه القارئ الكريم لحسه الوطني في تفنيدِ مجريات الأحداث.
إن التطوير والجذب لن يتما بإحلال «دمية ديناصور» مكان «دمية بطريق» في الحديقة ذاتها. التطوير عملية ديناميكية علمية مُتحركة يتدفق عبر واقعها عرق الابتكار والإبداع وليست راحة التكرار، ولا مفر من تغيير الصورة والمشهد إن أردنا التنويع الحقيقي في الاقتصاد الوطني وإيجاد بلورة واقعية لتوسيع آفاقه. وليعلم الكاتب أن تقديم استقالتي من المجلس البلدي حق كفله لي المُشرع ولا وصاية لأحد عليه، كما أنها أتت وفق قناعة تامة بأني قدمتُ ما أستطيع من جهد وعمل في هذا المجال الخدمي، ولمن أراد أن يتحقق من تأييدي لهذا الموقف فليسأل «البوشريين». وكما ذكرت سابقا، «لم يكن في الإمكان أكثر مما كان»..، وبوابات خدمةِ عُمان كثيرة لا تقتصر على عضوية المجلس، والقرار هنا ليس «استغناء» عن تأدية الواجب كما جاء في معرض حديث الكاتب، بل هي انطلاقة لرحلة بناء أخرى تتسع معها المدارك والآفاق.
كما يجب عدم إغفال نقطة غاية في الأهمية، تتمثل في تطوير العمل المؤسساتي المُتكامل حتى نصل للصورةِ الكاملة لدولة المؤسسات والقانون، وبالتالي بات من الأهمية بمكان إنشاء محكمة دستورية يلجأ إليها كل من ينشد مبدأ المشروعية.
وتصحيحاً لما ألمح له الكاتب في مقاله فإن محكمة القضاء الإداري الموقرة لم تقض برفض قضية «تأجيل» مهرجان مسقط ولكنها حكمت بعدم الاختصاص، وعليه، فلا حقيقة للربط بين الاستقالة وقرار المحكمة الموقرة.
لو كان الكاتب يبحث عن «مربط الفرس» لوجده لكنه مع استرساله الحديث عن «قشة بعيرٍ» غابت عن بصره وبصيرته أبجديات تطويرٍ حقيقية بعيدة عن «المنفعة الشخصية» التي أطلق على جانبيها العديد والعديد من الفُقاعات المحشوةِ بالكلمات المطّاطة التي صمّت الآذان، وآلت بعدها القضية بلا خدمةٍ أو هدفٍ أو مصلحةٍ عامة.

إن المشكلة التي يعاني منها البعض تكمن في البُعد عن فهم مجريات الأمور وعدم تتبعهم للمعلومة الصحيحة إلى أن أصبحت كلماتهم بعيدة عن التحليل المنطقي ولا تتعدى النقل عبر «سمعتُ» من فلان أو علان من الناس، وهو أمر يجب علينا الابتعاد عنه وتجنبه، وألا نردد كل ما يقال كالبَبَّغاوَات ونأخذ المعلومة من مصدرها. وهنا لا بد من التأكيد على أن النظر إلى كل مشهد بعين متأملة وفاحصة للحقائق والمجريات لهو الحل الأمثل والناجع في أصول تحقيق الاتزان، وقبله المهنية عند طرح أي قضية. وصدق الله العظيم حين قال في محكم تنزيله «أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ».

* عضوة المجلس البلدي

في مسقط سابقاً