الاقتصاد العالمي لم يحل أسباب الأزمة السابقة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٦/مايو/٢٠١٦ ٠٥:٤١ ص
الاقتصاد العالمي لم يحل أسباب الأزمة السابقة

ساتياجيت داس

ثلاثة سيناريوهات محتملة تواجه الاقتصاد العالمي، أولها أن تقود الاستراتيجيات الحالية إلى انتعاش قوي، وهنا نجد أن الولايات المتحدة تقود الطريق، فيما تتعافى أوروبا مع القيام بعمليات تنقلات وإعادة توازن مطلوبة، بينما تقبل ألمانيا بمنافع الدين للمحافظة على اليورو، ويستعيد ابي الحيوية للإقتصاد الياباني، وتقوم الصين بانتقال ناجح من استثمار قائم على تمويل الديون الى الاستهلاك لتجنب الأزمات المالية في الصين على غرار الفقاعة العقارية وانهيار أسعار الأسهم والزيادة المفرطة في الانتاج الصناعي الضخم، وحدوث استقرار وانتعاش في الاقتصادات الناشئة الأخرى مع إجراء الإصلاحات الهيكلية المتأخرة، بينما يقود النمو وارتفاع التضخم إلى خفض عبء الديون وتطبيع السياسة النقدية تدريجيا وتحقيق عائدات ضريبية أعلى تحسن ماليات الحكومة مع تنسيق قوي للسياسات الدولية ومن ثم تجنب حروب اقتصادية مدمرة بين الدول الى جانب الاتفاق على هيكل مالي دولي جديد على غرار بريتون وودز.
إلا أن مثل هذه النتيجة غير محتملة، فحقيقة أن السياسات الحالية لم تؤد إلى انتعاش بعد ست سنوات يوحي بأنها غير فعالة، كما أن النقص العام في الطلب إلى جانب التركيبة السكانية والتحسينات البطيئة في الإنتاجية وانخفاض معدلات الابتكار والقيود المفروضة على الموارد والعوامل البيئية وزيادة فجوة عدم المساواة من المرجح أن تحد من النمو. وفي الوقت نفسه فالقدرات الزائدة والتحسينات التكنولوجية والتخفيضات التنافسية وعدم وجود قوة التسعير من المرجح أن تبقى معدلات التضخم منخفضة على الرغم من الظروف النقدية المتساهلة.
أما السيناريو الثاني فهو كساد اقتصادي خاضع للإدارة مماثل لنموذج الركود الياباني الذي ظل لفترة طويلة، حيث يظل النمو الاقتصادي ضعيف ومضطرب مع انخفاض التضخم وبقاء الديون على ارتفاعها، واستدعاء المشاكل المزمنة لتدخل مستمر في صور الحوافز المالية والسياسة النقدية التيسيرية، وانخفاض معدلات وبرامج التسهيل الكمي لتجنب حدوث تدهور. ويتمخض التنافس على النمو وسياسات السوق عن بطء في حركة التجارة ورأس المال. ومع وجود اختلافات بين الدول إلا أن الاقتصاد العالمي قد يدخل مرحلة شبه غيبوبة، مع وقوع شعوب بأكملها وشركات وأسر رهنا للنمو المنخفض والإفراط في المديونية، فيما ينهار تخصيص الموارد مع انحصار المزيد والمزيد من الثروة في أنشطة ذات عائد منخفض أو تكون غير منتجة.
وقد تكون السلطات قادرة على استخدام أدوات السياسة للحفاظ على توازن غير مستقر لفترة من الزمن، بيد ان هذا قد يكون غير مستدام مع مرور الوقت. فالقدرة على تمويل الحكومات والضغوط على البنوك المركزية جراء تسييل مفرط للديون سيحد في نهاية المطاف من هذه الاستراتيجيات. وبالإضافة إلى ذلك، فتضخم أسعار الأصول وتزايد عبء المديونية بتشجيع من انخفاض المعدلات يؤدي الى عدم استقرار مالي خطير. وفي نهاية المطاف سيكون هناك حاجة الى تصحيح مالي كبير لا مفر منه، مع انخفاض الثقة في قدرة صانعي السياسات على السيطرة على الوضع.
أما السيناريو الأخير فهو الأخطر وينطوي على حدوث فشل في النظام المالي وعدم قدرة عدد كبير من الصناديق السيادية والشركات والأسر على خدمة ديونها. ويؤدي التخلف عن السداد إلى مشاكل في النظام المصرفي، ما يؤدي بدروه إلى تقلص كبير في السيولة يغذي العودة إلى النشاط الاقتصادي الحقيقي، فيما تؤدي الاخفاقات في توفير الوظائف والاستهلاك والاستثمار الى انكماش حاد، وتقود المخاوف بشأن سلامة وأمن المدخرات الى هروب رؤوس الأموال من الدول والبنوك والأدوات الاستثمارية الضعيفة، ومع تأثر الأسواق المتقدمة والناشئة تصبح المشكلة عالمية.
وينظر بعض المؤرخين الى الحرب العالمية الثانية على أنها استمرار للحرب العالمية الأولى مع فاصل، وبالمثل فأي أزمة جديدة من المحتمل أن تكون مرحلة أخرى من أزمة عام 2008، مما يعكس حقيقة أن الأسباب لا تزال دون حل إلى حد كبير. إلا أن الانكماش في المستقبل قد يتفاقم بسبب عوامل عدة.
أولا المشاكل الآن أكبر وأكثر عالمية، والأسواق الناشئة تواجه صعوبات ولن تكون مصدر عون كما حدث في عام 2009. ثانيا فإن قدرة صانعي السياسة على الاستجابة محدودة الآن. والاستقرار الذي شهدناه منذ عام 2008 جاء نتيجة عجز مالي مع انخفاض أسعار الفائدة والتخفيف الكمي، أما اليوم فالموقف المالي المتوتر للحكومات يعني صعوبة أكبر في إدارة عجز الميزانية على النطاق الذي حدث بعد عام 2008.
ففي الولايات المتحدة تم تخفيض الفائدة من 5.25 في المائة إلى صفر، عن طريق ضخ حوالي 20 في المائة من الدخل في الاقتصاد، وهو ما عزز النشاط الاقتصادي وساعد في تجنب تخلف واسع النطاق عن السداد وانهيار النظام المصرفي وتقليص فترة الركود.
ثالثا الثقة في قدرات واضعي السياسات آخذة في التضاؤل بصورة مستمرة نتيجة لعدم فعاليتها في تحقيق انتعاش على النطاق الواسع الذي وعدوا به.
وفشل السياسات الحالية يدفع البنوك المركزية إلى اتخاذ إجراءات أكثر تطرفا ويأسا، مثل أسعار الفائدة السلبية ( أي الدفع للناس لحثهم على الاقتراض) وتخفيضات كبيرة في قيمة العملة. أما العواقب المالية غير المقصودة جراء التجارب النقدية على نطاق غير مسبوق فلا يمكن التنبؤ بها، فيما تتزايد احتمالات حدوث أخطاء في السياسة أو سوء التنفيذ، مثل زيادات سابقة لأوانها في اسعار الفائدة أو سحب دعم السيولة.
ويظل معظم المستثمرين يحاولون التغافل مفترضين أن الخطر يكمن في السعر أو أنهم مستعدون وسيكونون قادرين على ضبط محافظهم في الوقت المناسب، إلا أن الحدث جلل وكل شئ على المحك.

مصرفي سابق وأحدث مؤلفاته كتاب: مأدبة عواقب في عصر الركود