تقسيم اليمن .. هل هو طوف النجاة؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٦/مايو/٢٠١٦ ٠٥:٣١ ص
تقسيم اليمن .. هل هو طوف النجاة؟

علي ناجي الرعوي

لم اتصور في يوم من الايام ان (اليمن الموحد) ذلك الحلم الذي انبثق على غفلة من الزمن ليغير نظرة اليمنيين الى انفسهم ويزيل عن العرب غبار نكسة الوحدة المصرية _السورية سيتحول هو الاخر الى قصة صادمة في فجاجتها وانكساراتها وفصولها المريرة بما افرزته خلال سنواتها من صراعات وضحايا وخسائر واكلاف فوق طاقة اليمن.
اذ لم يكن احد يتوقع وبعد ان التئم الجرح اليمني باندماج شطريه الشمالي والجنوبي في كيان سيادي واحد ان يخفق راسمو تلك اللوحة الوحدوية في التعاطي السليم مع استحقاقات ذلك التحول الذي اقدموا عليه باعتباره مطلبا استراتيجيا ووطنيا بدأ التحرك من اجل انجازه منذ منتصف عام 1968م أي بعد اشهر من استقلال الجنوب من الاحتلال البريطاني وهو الاخفاق الذي تجلت ملامحه في فشل النخبة السياسية في ايجاد نظام يتجسد في دولة مدنية حديثة قادرة على تجاوز اخطاء النظامين السابقين الشطريين حيث سرعان ما اكتشف الناس ان من اقدموا على طرح قضية الوحدة كوصفة سحرية لكل مشاكل اليمن لم يكن همهم الاول اثبات حيويتهما السياسية ونجاعتهما الادارية عن طريق ملامسة هموم الناس وطرح الخطط والحلول التي تجعل من قضية الوحدة عنصرا جاذبا لكل المواطنين في الشمال والجنوب عبر ايجاد البرامج التنموية الفاعلة التي تكفل لهم العيش الكريم في اطار مفهوم المواطنة الذي يعني العدل والمساواة في الفرص والحقوق والواجبات وانما على العكس من ذلك فان من اقتسموا السلطة بالتساوي بوصفهما وريثي الجمهوريتين الشطريتين قد انصرفا كليا في اتجاه الحفاظ على مواقعهما في السلطة على اساس ذلك التحاصص والتقاسم الذي ظهر مغرقا في الجهوية والاعتبارات المناطقية الى حد كبير.
وليس مصادفة طبعا ان تبدو المؤسسات التي افرزها تحول الثاني والعشرين من مايو 1990م الوحدوي عاجزة عن قيادة مشروع مجتمعي جديد يتعاقد اليمنيون حول مقوماته الاساسية خصوصا في ظل ذلك الفراغ المؤسسي والسياسي الذي ورثته دولة الوحدة وان بدرجات مختلفة من التجربة الشطرية الامر الذي اسهم في تعميق الهوة بين طرفي الحكم ودفع بهما الى المواجهة العسكرية صيف عام 1994م وهي المواجهة التي انتقلت معها قضية الوحدة من قضية اجماع شعبي ووطني الى موضوع انقسامي مثير للجدل اذ ان الجنوب الذي خسر هذه المواجهة قد شعر بعدها ان تمسكه بالوحدة يعني الاستمرار تحت وطأة الغلبة الشمالية والأكثرية العددية التي تميل لصالح الشمال في ظل التركيبة الديموغرافية القائمة.
ولعل هذا الاحساس قد تفاقم اكثر في السنوات التي تلت تلك المواجهة سيما بعد ان تعثرت المحاولات الرامية لتبديد ذلك الشعور عبر رؤية توازن بين الارض والسكان بل على النقيض من ذلك فقد عملت العناصر الجنوبية التي غادرت المشهد السياسي بعد عام 1994م على تأجيج النزعات الانفصالية في الشارع الجنوبي مستغلة بعض الممارسات الخاطئة التي اتصفت بها افعال بعض القيادات النافذة لتوسيع الشقة بين الشمال والجنوب لتغدو قضية الانفصال مشروعا تقف خلفه قوى جنوبية داخلية تطرفت في دعواتها حد القول بان الانفصال هو الحل للجنوب واليمن عموما وقد يكون من اللافت ان هذه القوى التي ترفع اليوم اعلام الدولة الجنوبية الشطرية على المؤسسات العامة في عدن وغيرها من محافظات الجنوب لا تنضوي في اطار سياسي واحد وانما بعضها يدعي العلمانية والليبرالية وبعضها يتبنى نهجا قوميا وإسلاميا فضلا عن اعداد اخرى من بقايا الحرس القديم لليسار مازالوا يحلمون بالعودة الى حكم الجنوب ولو بصيغ جديدة لذا نجد ان فعاليات هذه القوى لم تتوقف عند احياء المهرجانات المنددة بالوحدة وانما عمدت في الاسابيع الاخيرة الى الفرز السكاني وتهجير الشماليين من المحافظات الجنوبية في مسلك لم يحدث حتى حينما كان الجنوب تحت هيمنة الاحتلال البريطاني.
لا جدال ان ربط ازمة الجنوب بالوحدة قد فاقم من هذه القضية وجعل منها وسيلة ضاغطة لا يمكن القفز عليها او تركها دون حل اذ انه وعندما تفشل الدولة في القيام بواجبها نحو شعبها يشعر المجتمع اي كان مدينة او منطقة بالتهميش فيعود ادراجه الى حاضنة اقل تحضرا من فكرة الدولة وهو الاقليم او المنطقة او القبيلة او الجهة ومع ذلك يغدو من الظلم تحميل الوحدة وزر الاخفاقات التي صاحبتها فالحقيقة ان المعضلة لا تكمن في ازمة الوحدة وانما في ازمة بناء الدولة اذ لم يترسخ مفهوم الدولة على صعيد الادراك والوعي السياسيين في اليمن لذلك كان طبيعيا ان تتعمق النعرات الجهوية والمناطقية التي تمت تغذيتها بسخاء من قبل اطراف داخلية وخارجية لأهداف تتبلور في اطار مشروع اعادة رسم خارطة المنطقة وهذا المشروع لم يعد سرا وانما هو الذي يجري تداوله في وسائل الاعلام العربية والدولية والحديث عنه على نطاق واسع.
وما يقال عن تقسيم اليمن وإعادة تركيبها كدولة فيدرالية من اقليمين او ثلاثة هو امر جرى حسمه في مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر لأكثر من عشرة اشهر مع ذلك فقد ظل الاتفاق على مسألة (الفيدرالية) محل اختلاف في الشارع اليمني ظنا من الكثير بان تمرير هذا الامر كان تحت ضغط الاطراف الدولية التي كانت من خلال سفرائها هي المسير الاساس لمؤتمر الحوار واكثر من هذا فان هناك من يجزم بان تفكيك اليمن هو قرار يندرج في صميم المشروع الذي اطلقته رايس باسم (الفوضى الخلاقة) وان هذا المشروع قد تضمن صياغات مقترحة لكل بلدان المنطقة بدءا من العراق واليمن وليبيا وسوريا وانتهاءا ببلدان عربية اخرى يجري صياغة استراتيجيتها بما يضمن تفتيت معظم الدول العربية الى فيدراليات او كونفيدراليات جهوية ومذهبية حسب كل حالة ويعتقد البعض ايضا ان هذه الخطة تتحرك الان في اليمن على سكتين : الاولى مشروع وثيقة الحوار الوطني التي كان الاختلاف حولها على طريقة التقسيم وليس على مبدأ التقسيم والثانية سكة التغيرات التي احدثتها عاصفة الحزم والتي تحول الجنوب فيها اليوم الى قوة على الارض مما يجعله قاب قوسين او ادنى من قلب الطاولة على نظام الدولة البسيطة وتخيير الشمال بين الفيدرالية والانفصال بصرف النظر عن ما تفرضه الجغرافيا او يفرضه التاريخ طالما وان هذا المسار يصب في ولادة نظام اقليمي جديد تم الاتفاق عليه بين الفاعلين الدوليين قبل ما يعرف بالربيع العربي الذي جاء كترجمة لهذا الاتفاق.
بيد ان كل ذلك لن يمنع الازمة اليمنية عن الخروج من حدودها لان (الفيدرالية) في كل الاحوال لا يمكن لها ان تنجح في ظل دولة موضوعة على طاولة التشريح وقرارها الوطني يصنع في الخارج ونخبها الوطنية تعاني نوعا من فقدان الذاكرة فالفيدرالية ستفرخ فيدراليات .. والفيدراليات ستفرخ كنتونات وجيتوات ومضارب غارقة حتى اخر شعرة من فروة الرأس في الفوضى وحروب داحس والغبراء.

كاتب يمني