مشكلات صعود دول آسيا

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٦/مايو/٢٠١٦ ٠٥:٢٩ ص
مشكلات صعود دول آسيا

تشونج مين لي

بعد اعتلائها قمة النمو الذي يبدو لا يمكن وقفه، سيطر صعود آسيا على المخيلة الشعبية على مدى ثلاثة عقود. وطبقا للمقاييس الأكثر صرامة، مثل الناتج المحلي الإجمالي وحجم التجارة والبراعة التكنولوجية والقدرات العسكرية، برزت آسيا باعتبارها الركيزة الثالثة للعالم، بجانب الولايات المتحدة وأوروبا. وفي الواقع، يقول كثير من المعلقين إن القرن الحادي والعشرين لن يهيمن عليه دول آسيوية رئيسية مثل الصين والهند واليابان، وقوى متوسطة رئيسية مثل كوريا الجنوبية وفيتنام وأندونيسيا فحسب، بل أيضا إن المنطقة ككل في طريقها للتفوق على الغرب.
ولكن في الوقت الذي يبدأ فيه الرئيس أوباما رحلة رمزية للغاية لآسيا، هذا هو الوقت المناسب الذي ينبغي أن نشير فيه إلى أن مثل هذه المفاهيم الخطية عن صعود آسيا المتواصل هي مفاهيم مضللة وغير كاملة، نظرا لحجم المشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها آسيا الكبرى. ومع اقتراب القوة الاقتصادية الآسيوية الهائلة من نهايتها، بسبب انخفاض معدل النمو في الصين، وشيخوخة اليابان وكوريا الجنوبية، والمشاكل المستمرة مع الفساد والبيروقراطية التي تعيق الإصلاح الهيكلي، يجب النظر إلى القارة من زاوية أخرى: كمخزن للعديد من التحديات السياسية والعسكرية العملاقة في العالم. وفي الواقع، ما لم تستطع دول آسيا المهمة استراتيجيا تخفيف بشكل كبير، إن لم يكن حل، المشكلات السياسية والعسكرية في المنطقة، فإن صعود آسيا لن يكتمل أبدا.
اليوم، تواجه القارة الآسيوية تحديين رئيسيين. يتمثل الأول في العواقب طويلة المدى لسباق التسلح القائم في آسيا. فبحسب الأرقام الصادرة عن معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم، تواصل الولايات المتحدة قيادتها للعالم في الإنفاق السنوي على الدفاع، حيث يبلغ إنفاقها 596 بليون دولار، ولكن نفقات الدفاع لكل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وتايوان وسنغافورة مجتمعة بلغت 334 بليون دولار في عام 2015. وتظهر أرقام المعهد أيضا أنه من عام 2010 إلى عام 2014، كان تسعة من بين أكبر عشرين دولة مستوردة للأسلحة من دول قارة آسيا. وتسعى الصين لمنافسة الولايات المتحدة عسكريا في غرب المحيط الهادئ من أجل استعراض قوتها فيما يسمى بسلاسل الجزر الأولى والثانية بحلول عشرينيات هذا القرن، وتحركاتها العدوانية مؤخرا في بحر الصين الجنوبي تظهر عزمها على ذلك. وأكثر من ذلك، القارة هي موطن لثلاث نقاط جيوسياسية بارزة: شبه الجزيرة الكورية، حيث تستطيع كوريا الشمالية إجراء تجربة نووية خامسة، ومضيق تايوان؛ والمنافسة النووية بين الهند وباكستان في جنوب آسيا.
إن سباق التسلح القائم في آسيا يخلق معضلات أمنية أعمق وأكبر وكذلك إدخال ثابت مزعزع للاستقرار لأنظمة أسلحة أكثر فتكا وأكثر دقة وذات مدى أطول. إن لم تكن هذه المنافسة العسكرية مقلقة بما فيه الكفاية، فإن المنطقة مثقلة أيضا بمستنقعات سياسية لم يسبق لها مثيل. ففي عام 2021، سيحتفل الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى السنوية المائة لإنشائه، وبالذكرى السنوية السابعة والعشرين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. لقد حققت الصين خطوات اقتصادية هائلة منذ أن بدأت الإصلاحات في عام 1978، وينبغي أن يفخر الحزب الشيوعي بما حققه من إنجازات. ومع ذلك، فقد أصبح من الصعب على نحو متزايد إدارة ثاني أكبر اقتصاد في العالم عبر القبضة الحديدية لحكم الحزب الواحد. ومع استمرار الحزب في قمع المعارضة وحرية تدفق المعلومات، وفي نفس الوقت أيضا إصداره لمراسيم تتعلق بتعزيز القومية ووقف "التلوث الروحي" ومقاومة التدخلات الأجنبية، ستتميز الصين بمراقبة قاسية بشكل تدريجي وعمليات أمنية قاسية داخليا. إن أكبر تهديد للحزب لا يأتي من الولايات المتحدة أو اليابان؛ بل يأتي من مئات الملايين من المواطنين المتعلمين المعولمين والقادرين اقتصاديا الذين سيطالبون حكومتهم بحريات كبيرة ومساءلة على نحو متزايد. لم تعد "شرعية الأداء" – التنازل عن الدعم السياسي الشعبي مقابل النمو الاقتصادي المستدام على الرغم من تقييد الحريات السياسية – لم تعد تمثل العقد الاجتماعي للصين.
والمشهد السياسي في آسيا مليء بالمخاطر الأخرى أيضا، منها كوريا الشمالية، تلك الدولة الفاشلة، بأسلحتها النووية وقدراتها الصاروخية المتزايدة. وباكستان، وهي أيضا دولة شبه فاشلة، تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة في الوقت الذي تدار فيه من قبل الجيش على الرغم من واجهة الحكم المدني، وفي الوقت ذاته تدخل في سباق تسلح نووي مع منافستها الهند. وبورما تنتقل إلى نظام شبه ديمقراطي، ولكن الجيش يرفض تسليم السلطة بالكامل. وفي جنوب شرق آسيا، تراجعت الديمقراطية في تايلاند، في حين تتورط الحكومة الماليزية في فضيحة فساد كبرى. لكل هذه الأسباب، فإن الغالبية العظمى من الدول الآسيوية تشعر براحة أكبر مع الولايات المتحدة وليس الصين، باعتبارها القوة التي لا غنى عنها للحفاظ على الاستقرار والازدهار في المنطقة.
ليس هناك شك في أن آسيا قد حققت تقدما هائلا على مدى نصف قرن من الزمان، ولكن الوقت قد حان للاستيقاظ على المستنقعات السياسية والأمنية والاستراتيجية في القارة. والأمر الصحيح الذي لا يمكن إنكاره هو أن النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة وباقي الغرب ويهيمنون عليه لوقت طويل يواجه مشكلات. ولكن المحاولات لإلقاء اللوم على الغرب في مشكلات آسيا اليوم هي محاولات ضحلة فكريا ونفعية سياسيا. يجب على آسيا القيام بإصلاحات سياسية مؤلمة، بما في ذلك تبني وتعزيز القيم العالمية، لكي يبزغ فجر القرن الآسيوي حقا. لقد صعدت آسيا، ولكنها لا تزال بعيدة جدا عن أن تسود.

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة يونسي في سيول