طريق العودة للسياسة النقدية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٩ ص
طريق العودة للسياسة النقدية

لي جونج-وا

كانت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الكبرى تبحر في السنوات الأخيرة عبر منطقة مجهولة. وفي حين كان استخدامها لمجموعة غير تقليدية من أدوات السياسة النقدية مفيدا، فقد تسبب أيضا في توليد قدر كبير من عدم اليقين، من دون أن يعمل على تثبيت استقرار الاقتصاد العالمي بشكل كامل. والآن حان وقت العودة نحو تضاريس السياسة الأكثر اعتيادا.
في أعقاب الأزمة المالية عام 2008، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة إلى الصِفر تقريبا واتبع ما يسمى التيسير الكمي، من خلال شراء الأوراق المالية الطويلة الأجل من القطاعين العام والخاص. وسرعان ما أطلقت البنوك المركزية في الاتحاد الأوروبي، واليابان، والمملكة المتحدة برامج غير تقليدية مماثلة. وكانت النتيجة ذلك الكم الهائل من السيولة الرخيصة التي ساعدت في تثبيت استقرار القطاع المالي، واستعادة أسعار الأسهم والعقارات، وزيادة الطلب المحلي. وقد ساعد كل هذا في الحد من تداعيات الأزمة المالية ودفع الاقتصاد العالمي نحو التعافي.
ولكن هذا النهج العدواني ليس بلا حدود. فكما أشار محافظ بنك الاحتياطي الهندي راغورام راجان، بعد سنوات من الجهود بدأت فوائد السياسة النقدية غير التقليدية تتضاءل، في حين تزايدت تكاليفها. وإدراكا منه لهذه الحقيقة، أنهى بنك الاحتياطي الفيدرالي التيسير الكمي في نهاية العام الماضي ورفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقط أساس. ومن المرجح أن يستمر رفع أسعار الفائدة هذا العام، وإن لم تكن سرعة ومدى الزيادة مؤكدة.
ورغم هذا، قرر البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان تمديد برامج التيسير الكمي. وعلاوة على ذلك، تبنى البنكان سياسة أسعار الفائدة السلبية ــ والتي تنطوي على فرض رسوم على احتياطيات البنوك ــ لتنشيط الطلب الكاسد. ومن غير المستغرب أن تكون التأثيرات على التضخم والناتج الحقيقي محدودة.
تُعَد السياسة النقدية وسيلة فعّالة لإدارة التضخم ومن الممكن أن تعمل على تعزيز فرص العمل والناتج في فترات الركود. ولكن خفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصِفر ألحق الضرر بميزانيات البنوك العمومية، الأمر الذي أدى إلى الحد من قدرتها على الإقراض. ونتيجة لهذا، فشلت في زيادة استثماراتها في الأعمال. وحتى أسعار الفائدة الإيجابية المنخفضة قد تؤدي إذا طال أمد فرضها إلى نتائج عكسية، فتغذي فقاعات الأصول وتسمح لديون الأسر والشركات بالنمو إلى مستويات لا يمكن تحملها.
من ناحية أخرى، تسببت عمليات شراء الأصول في تضخم الميزانيات العمومية للبنوك المركزية الكبرى إلى مستويات غير مسبوقة. وسوف تكون إدارة التراجع المنظم المطلوب الآن مهمة بالغة الصعوبة.
بعيدا عن المجال المحلي، خلفت السياسات النقدية غير التقليدية تأثيرات جانبية بعيدة المدى. فقد أرسلت الاقتصادات الناشئة وارتباطاتها المالية بالاقتصادات المتقدمة إلى دوامة صاعدة هابطة من تدفقات رأس المال.
فأولا، غُمِرَت الاقتصادات الناشئة بالسيولة المتدفقة من الاقتصادات المتقدمة. وأدت تدفقات رؤوس الأموال الكبيرة إلى فرط النشاط والتضخم، ونشوء فقاعات أسعار الأصول، وارتفاع قيمة العملات بسرعة. ثم أدى خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي التدريجي لبرنامج التيسير الكمي إلى انسحاب مفاجئ لرأس المال، على النحو الذي تسبب في خلق مخاطر الانقطاع المالي وأزمات العملة. وناضلت السلطات النقدية في الاقتصادات الناشئة للتغلب على هذه الصدمات باستخدام الأدوات المتاحة، بما في ذلك أسعار الفائدة، وأسعار الصرف، والقواعد التنظيمية التحوطية، وضوابط رأس المال.
ولكن هذا ليس كل شيء. فبعد أن تسببت السياسات النقدية غير التقليدية في الاقتصادات المتقدمة أيضا في خفض قيمة عملاتها وتحفيز صادراتها، أصبح خطر خفض القيمة التنافسي الآن سببا حقيقيا للقلق والانزعاج. فإذا تحرك بنك اليابان على سبيل المثال للتدخل الصريح في أسواق الصرف لخفض قيمة الين، فسوف تتزايد احتمالات لجوء بنك الشعب الصيني وبنك كوريا إلى خفض قيمة العملة. وكل هذا من شأنه أن يزعزع الاستقرار بشدة، وخاصة في الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل والتي تواجه مزيجا بالغ القسوة من التحديات الداخلية والخارجية.
أستاذ الاقتصاد ومدير معهد البحوث الآسيوية في جامعة كوريا،