مواجهة الأزمات الإنسانية بتعليم الأطفال

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٨ ص
مواجهة الأزمات الإنسانية بتعليم الأطفال

جوليا جيلارد

بعد وقت قصير من اندلاع الحرب الأهلية التي عصفت بجمهورية أفريقيا الوسطى في عام 2013، عادت فتاة في الصف الخامس اسمها دوركاس إلى مدرستها على أمل أن ترى الوجوه المألوفة من المعلمين والأصدقاء، ولكنها وجدت نفسها وجها لوجه مع مجموعة من المسلحين الذين استولوا على المدرسة، وراحو ينهبونها ويحرقون المقاعد والكتب المدرسية. تقول دوركاس: أجهشت في البكاء، فقد ضاع آخر أمل لي.
وفي وقت يعاني فيه أكثر من 30 بلد في مختلف أنحاء العالم من أزمات إنسانية رسمية، بما في ذلك أزمات طال أمدها، نجد أن أكثر من نصف أطفال العالم الذين لا يذهبون الى المدرسة يعيشون في البلدان التي تعاني من الحرب والعنف، وربما جسدت كلمات دوركاس حالة الخوف واليأس التي يواجهها عدد كبير من الأطفال في أعقاب الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ الصحية والصراعات المسلحة المدمرة.
وقد بلغ حجم هذه المعاناة درجة غير عادية حتى أضحت الآن عند أعلى مستوى لها منذ الحرب العالمية الثانية، ما دفع قادة العالم للإجتماع في اسطنبول لحضور القمة العالمية للعمل الإنساني الأولى من نوعها. وتهدف القمة الى جانب تسليط المزيد من الضوء والتأكيد على الشعور بالحاجة الملحة حول التحديات المتزايدة جراء الصراع والأزمات في كل ربوع العالم تقريبا، الى تحسين استجابة المجتمع الدولي لحالات الطوارئ الإنسانية.
وإحدى النتائج المهمة للقمة تتمثل في إنشاء آلية جديدة للتمويل والتنسيق تحت شعار "التعليم لا يمكن أن ينتظر" وهو صندوق أزمات للتعليم لمساعدة الأطفال الذين يواجهون العنف والتهجير والأوبئة والانهيار الاجتماعي والجوع والأزمات التي تمتد على فترات طويلة والتي تحول دون الحصول على التعليم في المدرسة.
والواقع أننا بحاجة إلى هذا الصندوق لأن الاستجابات الإنسانية العالمية دائما ما تعطي التعليم أولوية وموارد أقل مقابل الضروريات الأخرى مثل الرعاية الصحية الأساسية والمأوى والتغذية. ومن ثم لا تتجاوز جميع المساعدات الإنسانية التي تذهب إلى التعليم 2 في المائة.
وبالطبع فهذه نسبة متدنية للغاية الى حد يصيب بالصدمة بالنظر الى السنوات التكوينية المعدودة في حياة الطفل والتي يمكنه خلالها تعلم القراءة والكتابة والرياضيات واكتساب المهارات المعرفية الأخرى. كما أن التعليم الرسمي يساعد أيضا في حماية الأطفال من صدمة الأزمة.
وأكثر من ذلك فالتعليم ترياق قوي للصراع، ونحن نعلم أن الأشخاص الذين يعرفون القراءة والكتابة أكثر احتمالا من غيرهم للمشاركة في المؤسسات الديمقراطية في مجتمعاتهم، وأن خطر الحرب يتراجع مع حصول غالبية السكان على التعليم الثانوي. وعلاوة على ذلك، كيف يمكن لبلد، بعد أن تخف حدة الأزمة الملحة، أن يتوقع إعادة بناء دون أن يكون لدى السكان حد أدنى من مستوى المعرفة والإلمام بالقراءة والكتابة؟
وقد صمم صندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر" الجديد لجمع تمويل إضافي وتحسين التنسيق والمساعدة التقنية وتعزيز التخطيط والمراقبة لقطاع التعليم، كما سيكون أيضا أداة هامة للدفاع عن استمرار التعليم أثناء حالات الطوارئ والأزمات التي يطول أمدها، وسيسمح أيضا باستجابات أكثر وعيا وسرعة لحالات الطوارئ التي تتطور سريعا، وفي الوقت نفسه دعم جدوى ونمو التعليم على المدى الطويل.
ويقوم برنامج الشراكة العالمية من أجل التعليم بدور محوري في تطوير وتحقيق الصندوق الجديد لأزمة التعليم، حيث يسارع في تقديم الدعم عندما تواجه البلدان النامية أزمة مفاجئة أو لفترات طويلة وتساعدهم في الانتقال إلى تنمية على المدى الطويل، وذلك من خلال تقديم الدعم اللازم لبناء نظم تعليم دائمة عالية الجودة.
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، على سبيل المثال، وافق برنامج الشراكة العالمية من أجل التعليم بصورة عاجلة على تقديم دعم طوارئ للسماح لأكثر من 100 ألف من الأطفال الذين شردوا بسبب النزاع بالعودة إلى المدرسة، كما ساعد في إعادة تأهيل مئات من المباني المدرسية وتوظيف المعلمين وتدريبهم وغيرها من الجهود لإعادة بناء نظام التعليم المنهار هناك.
وفي تشاد ساهمت خطة طوارئ يمولها برنامج الشراكة العالمية من أجل التعليم في تمكين الحكومة من دعم النظام المدرسي الذي ناء بالفعل بحمل تقديم الخدمة لآلاف من الأطفال اللاجئين الذين فروا من أعمال العنف في البلدان المجاورة.
وفي جنوب السودان الذي مزقته الحرب الأهلية ساعد البرنامج الحكومة في إنشاء وتنفيذ خطة لتحسين نظام التعليم الوطني ومساعدة المدارس في تحسين أدائها وتقديم نماذج لتعزيز المدرسة وتمكين المزيد من الفتيات لتلقي التعليم.
وفي كل من هذه البلدان، وغيرها الكثير التي تواجه أزمة، يغذي هذا الدعم الفوري رؤية أوسع وأطول أجلا لتعليم جميع الأطفال، وخاصة الفتيات، وغيرهم من الأطفال المحرومين الذين يصعب الوصول إليهم.
والحلول التي نأمل أن يحققها مؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني، وفي مقدمتها رفع مستوى التعليم باعتباره جزءا أساسيا من أي استجابة إنسانية، لن تنهي بالطبع كافة التحديات التي يواجهها الأطفال في أوقات الأزمات الإنسانية، بيد أنها سوف تنقذ الملايين من الأرواح التي يحتمل تعرضها لمعاناة البؤس والفقر والمآسي. وباتخاذ خطوات حازمة وجريئة يمكن للمجتمع الدولي أن يستعيد آخر الآمال وأفضلها في تحسين حياتهم بعد أن تضع تلك الأزمات والمآسي أوزارها.

رئيسة وزارء استراليا السابقة