عداء عصابات داعش للتراث الإنساني

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٨ ص
عداء عصابات داعش للتراث الإنساني

فريد أحمد حسن
تداول العراقيون أخيرا تقارير وتسجيلات مصورة تبين "توصل عناصر تنظيم داعش الإرهابي من خلال ستة أنفاق تحت تل التوبة التاريخي في الموصل حيث قصر الملك الآشوري آشور بانيبال ، إلى أعظم كنوز العالم في القاعات الآشورية المرصعة بالنفائس التي لم يشهدها البشر منذ القرن السابع قبل الميلاد" ، والمعنيون أكدوا أن هذا التنظيم "ارتكب جريمة تاريخية بآثار الموصل وتاريخ نينوى الإنساني الذي لا يُقدر بثمن من نجح أجنحة الثيران المُجنحة بالفؤوس ، وتجريف البوابات الشامخة منذ آلاف السنين ، إلى حفر الأنفاق حديثاً ، بحثاً عن الآثار المدفونة" .
وحسب التقارير فإن تنظيم داعش قام بهدم وإزالة ضريح وقبة مؤرخ الموصل ، عز الدين ابن الأثير الشيباني الموصلي صاحب كتاب الكامل في التأريخ وأسد الغابة في معرفة الصحابة والمعروف عند عامة أهل الموصل بـ (قبر البنت) ونبش وإزالة قبره" ، وأن "الأيدي المتفجرة للدواعش طالت تمثال الشاعر حبيب ابن أوس المعروف بـ (أبي تمام الطائي) صاحب بريد الموصل في خلافة المعتصم بالله العباسي" ، وأزالوا تمثال فتاة الربيع وتمثالي المتصوف والموسيقي الملا عثمان الموصلي وبائع العرس سوس "السواس" ، كما فجر التنظيم مركز شرطة السراي/ مدرسة الصنائع و رباط المتصوف الفتح بن عثمان الأزدي الموصلي المعروف عند عامة أهل الموصل بالشيخ فتحي ، ومسجد الشيخ أبو العلا ، والمدرسة الحمدانية المعروفة عند عامة أهل الموصل بمشهد الإمام يحيى ابن القاسم ابن الحسن ابن الإمام علي بن أبي طالب ، وجامع النبي دانيال ، بالإضافة إلى المدرسة الزينية ثم الكمالية المعروفة عند عامة أهل الموصل بمسجد شيخ الشط ، والمدرسة العِزّية — عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود — المعروفة عند عامة أهل الموصل بالإمام عبد الرحمن ، ومقام الإمام الباهر ابن الإمام زين العابدين، والمدرسة النورية نسبة للأمير نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن عماد الدين زنكي المعروف عند الموصليين بالأمام محسن .
حسب تلك التقارير أيضا فإن تنظيم داعش هدم المدرسة النظامية — نظام الملك السلجوقي — المعروفة بمقام الإمام محمد بن الحنفية أو علي الأصغر، ونسفوا جوامع النبي يونس، النبي شيت بن آدم ، ورباط المتصوف قضيب البان الأزدي الموصلي ، ومزار ومرقد المتصوف السيد محمد الموسوي المعماري ، ومشهد الإمام عون الدين ابن الحسين ابن الإمام علي ، ومقام المتصوف السلطان عبد الله ، بينما تحولت مساجد وجوامع ومقامات تاريخية أخرى كثيرة إلى أكوام من الحجارة ، وتم تهشيم تمثال السيدة العذراء الخاصة بكنيسة الدير الأعلى لطائفة الكلدان ونزع صليب كنيسة مارافرام للسريان الارثوذكس وأفرغت كنيسة مار آفرام المشيدة منذ عام 1988 بحي الشرطة من موجوداتها وإخراج مقاعدها في حملة تصفية ، وتحويلها إلى جامع يُصلي فيه عناصر التنظيم وقادته ، كما قام التنظيم بتفجير كنيسة القيامة بقضاء الحمدانية (قرقوش) وإحراق كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك وتدمير مزار القديسة بربارة ونهب متحف كنيسة مار توما للتراث الشعبي والمخطوطات السريانية .
كل هذا وغيره يطرح سؤالا عن سبب هذا العداء للتاريخ والسعي لمحوه ، خصوصا وأنه لم يستثن ديانة ولا طائفة ولا مذهبا ، فكل ما تقرر أن يعتبروه "خارجا عن الحق" هدموه ونسفوه ودفنوه . ولأن كل هذا يدخل ضمن قائمة التراث الإنساني لذا فإن مسئولية المجتمع الدولي فيما يخص هذا الملف كبيرة ، فالخسارة في مثال العراق ليست للعراق والعراقيين فقط ولكنها خسارة للعالم أجمع ، والأمر نفسه فيما يتعلق بالآثار التي تم تخريبها في سوريا وفي غيرها من البلدان التي تعرضت وتتعرض لمثل هذه الاعتداءات .
في موضوع كهذا لا يكفي أن تصدر المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات العالمية المعنية بالتاريخ والآثار البيانات الشاجبة والمدينة والمستنكرة ، فبيانات الشجب والإدانة والاستنكار وإن كانت شديدة اللهجة لا تعيد تلك الآثار المهمة ولا تنقذها من النهب والسلب ولا تحمي غيرها لو وقعت في يد الجماعات المتطرفة التي لا يزال غير مفهوما عداءها للتاريخ . من هنا ينبري السؤال عن مدى جدية العالم في وضع حد لكل هذا الذي تقوم به المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا وغيرهما من البلاد العربية والإسلامية على وجه الخصوص .
ما يؤلم أكثر هو أن تلك الجماعات المتطرفة لا تستثني حتى المساجد التاريخية التي ذكر فيها اسم الله جل وعلا ذات يوم وأقيمت فيها الصلاة ، فتهدمها ، وتهدم كل دار للعبادة ، الأمر الذي يكشف عن تناقض واضح بين الشعارات التي ترفعها والممارسات التي تقوم بها .
حدث في بعض المرات أن تمكن المسئولون عن المتاحف في العراق وسوريا من نقل كميات من القطع الأثرية إلى أماكن آمنة أو دفنها في مخازن تحت الأرض بهدف حمايتها وإنقاذها ، وهو عمل يعتبر في مثل هذه الظروف جبارا . وبسبب الظروف الصعبة التي يعيشها العراق وسوريا على وجه الخصوص ربما كان مناسبا التعجيل باتخاذ قرار يتيح للمسئولين عن الآثار في هذين البلدين نقل ما يمكن نقله إلى دول أخرى آمنة وتخزينها حتى تنقشع الغمة ويعود الأمن والأمان إليهما . أما المواقع الأثرية والتي من الطبيعي أنه لا يمكن نقلها فإن توفير الحماية لها ليست مسئولية الحكومتين في هذين البلدين فقط ولكنها مسئولية العالم كله ، فما تراكم عبر الزمن تاريخ يهم كل البشرية ، وأساس تبني عليه مستقبلها وهو مسئوليتها ، فلو ضاع التاريخ ضاع المستقبل .

· كاتب بحريني