مبدأ أوباما في الشرق الأوسط

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٨ ص
مبدأ أوباما في الشرق الأوسط

فريد هيات

إذا أجرينا مسحا لحطام الشرق الأوسط وتهتك أوروبا، سنفهم أن الرئيس أوباما يود أن يجعلنا نؤمن بأنه ما كان لأي سياسة أخرى أن تؤتي نتائج أفضل من سياسته. لقد جربت الولايات المتحدة كل السياسات، هكذا تجادل إدارته: الغزو الشامل، في العراق؛ والتدخل الجراحي، في ليبيا؛ والعزلة المدروسة، في سوريا. ثلاثة مناهج، ونتيجة واحدة: فوضى ودمار.
إذن لماذا الانزعاج؟ لماذا الانغماس في "تحول سيحدث لجيل متجذر في الصراعات التي تعود إلى آلاف السنين"، على حد وصف أوباما في خطابه عن حالة الاتحاد الذي ألقاه هذا العام؟
حتى مع استبعاد الإساءة المتمثلة في هذا الإقصاء الكاسح للإمكانيات العربية، فإن الصياغة تظل خاطئة لسببين، أحدهما توجيهي والآخر تحليلي.
هذه الصياغة لا تقدم أي مسار معقول لخليفة أوباما، الذي لن يستطيع تجاهل هذه المنطقة. بل في المقابل، هي تستدعي هذا النوع من الوعود الغوغائية التي سمعناها خلال الحملة الانتخابية بـ "القصف السجادي" لتنظيم داعش حتى نعرف إن كانت "الرمال يمكن أن تتوهج في الظلام"، كما هدد السيناتور تيد كروز، أو على حد تعبير دونالد ترامب، "ضرب داعش بقوة وبسرعة" ثم "نعود هنا ونعيد بناء بلدنا".
والأهم من ذلك، فإن مبدأ الإدارة الأمريكية، المتمثل في "القضاء والقدر"، يتجاهل خيارا رابعا في السياسة، كان أوباما منذ البداية عازما على عدم تجربته: التدخل الصبور ذو النهاية المفتوحة باستخدام جميع أدوات الولايات المتحدة – الدبلوماسية والعسكرية أيضا – مع الخروج بنتيجة إيجابية، وليس موعدا نهائيا محددا، كهدف.
هذا نهج قد آتى ثمارة من قبل. ففي كوريا، شكلت الولايات المتحدة تحالفا حميما منذ أكثر من نصف قرن، واليوم مازال الجنود والدبلوماسيون الأمريكيون موجودين. لقد أدى دعم الولايات المتحدة إلى ردع عدو خارجي، وفي نفس الوقت – والناس ينسون هذا، نظرا لاستقرار كوريا الجنوبية اليوم – ساعد على تثبيت مجتمع مزقته الحرب الأهلية حيث أخذ شعب هذا البلد يبني ديمقراطيته تدريجيا.
لقد جاء أوباما إلى منصبه عازما على تجنب هذا النهج. ففي أفغانستان، وضع جدولا زمنيا لانسحاب القوات، غير مربوط بشروط. وفي ليبيا، أطاح بنظام القذافي من السلطة ولكنه لم يبق هناك لمساعدة حكومة جديدة على الوقوف على قدميها. وفي العراق، تجاهل مستشاريه المدنيين والعسكريين ورفض أن يترك في البلاد القوات البالغ عددها 15000 أو 20000 التي كان يمكن أن تساعد على الحفاظ على الاستقرار الذي حققته الولايات المتحدة هناك.
ولم يدافع الرئيس عن هذا الانسحاب بسبب أن الأحقاد التي يعود عمرها لآلاف السنين قد جعلت العراق حالة ميوؤسا منها، بل العكس هو الصحيح في الحقيقة: فالنجاح جعل وجود الولايات المتحدة غير ضروري. قال أوباما عام 2011: "هذه لحظة تاريخية. الحرب تنتهي. وهناك يوم جديد يطل علينا. سيرى الناس في كل أرجاء المنطقة عراقا جديدا يقرر مصيره بنفسه – بلدا يستطيع فيه الناس من مختلف الطوائف والأعراق حل خلافاتهم سلميا من خلال عملية ديمقراطية".
لا يتطلب الأمر إدراكا متأخرا لتقدير تهور أوباما في قراره. صحيح أن هناك قليلون تنبؤوا كيف أن الأمة سوف تنهار تماما، في ظل خلافة مزعومة (داعش) تحتل قسما كبيرا من البلاد وعودة التفجيرات المتكررة في بغداد. ولكن صفحة الرأي في صحيفة واشنطن بوست لم تكن وحدها التي حذرت في ذلك الوقت أن "الانسحاب الكامل سوف يزيد بحدة من خطر تراجع المكاسب الأمنية التي تم تحقيقها بشق الأنفس في العراق".
أنا أفهم لماذا يرفض أوباما وكثير من الأمريكيين المشاركة المستمرة، التي غالبا ما يطلق عليها بسخرية "بناء الأمة". هو أمر صعب، والولايات المتحدة دائما تقوم به بشكل سيء وأحيانا لا تنجح؛ والأمريكيون لا يستطيعون فرض الديمقراطية؛ وغالبا ما ينتهي بنا المطاف ونحن نقوم بعمل نتمنى أن يقوم به السكان المحليون أنفسهم أو جيرانهم. وأوباما على حق أيضا في أن مناطق أخرى، مثل منطقة المحيط الهادئ، هي أكثر أهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي وأكثر مركزية بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة.
ولكن في مقابل كل هذه الحكمة تقف حقيقة واحدة عنيدة، يثبتها مرة أخرى إعادة تصعيد أوباما: الولايات المتحدة ليس لديها اختيار. فالانهيار لا يقف عند حد، بل ينتشر إلى سوريا وباريس وبروكسل وفي سماء البحر المتوسط والولايات المتحدة في نهاية المطاف. وفي ظل ظروف أصعب كثيرا مما كان يمكن أن تكون عليه، يجد الرئيس نفسه يطلق العنان لقاذفات القنابل فوق سوريا وإرسال جنود إلى العراق.
إنه لا يستطيع أن يعترف، ربما حتى أمام نفسه، أن فك الارتباط كان خطأ من البداية. وهذا هو السبب في أن أوباما يصر على أنه لا يوجد أفراد خدمة في عمليات قتالية، حتى في ظل عمليات القتل التي مازال يتعرض لها الأمريكيون في العراق.
ولكنه سيكون من الصحي والمفيد بالنسبة للولايات المتحدة، وبالنسبة للرئيس المقبل أيضا، تجاوز مرحلة التظاهر. ليس هناك هزيمة "سريعة سريعة" للإرهاب – وليس هناك طريقة آمنة للتراجع عن تحدي مكافحته على المدى الطويل.

كاتب عمود بصحيفة واشنطن بوست