الحلفاء يشككون في الإلتزام الأمريكي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٧ ص
الحلفاء يشككون في الإلتزام الأمريكي

فيكتور ديفيز هانسون

في عام 1939، حذر رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين ورئيس الوزراء الفرنسي إدوارد دالادييه حذرا أدولف هتلر أنه إذا أقدم الرايخ الثالث على غزو بولندا، سيؤدي ذلك الى اندلاع حرب أوروبية. وأصر كلا القائدان أنهم كانا يعنيان ما قالا، إلا أن هتلر كان يعتقد أنه بعد عسكرة راينلاند وضم النمسا وتفكيك تشيكوسلوفاكيا فلا يعدو التحذير الأخير سوى أن يكون خداعا. غير أن إنجلترا وفرنسا أعلنتا الحرب بعد يومين من دخول هتلر بولندا.
وهكذا، ما أن ينتهي الردع الذي قد يكون بعيد المنال في وقت ما، يكاد يكون من المستحيل استعادة المصداقية دون تكاليف وأخطار رهيبة. وفي الأسبوع الفائت، حذر مسؤولون روس إدارة أوباما من مغبة تثبيت نظام جديد مضاد للصواريخ الباليستية في رومانيا، وأن ذلك قد يؤدي الى مواجهة نووية محتملة من شأنها أن يحول البلد المضيف للنظام الى أطلال ينبعث منها الدخان ومن ثم ابطال مفعول أي نظام دفاعي ترعاه واشنطن.
وقد جاء هذا الحديث المروع بعد أشهر من البلطجة الروسية في السويد المحايدة، ومضايقة السفن والطائرات الامريكية، واطلاق تحذيرات إلى دول حلف شمال الأطلسي في أوروبا، والتهديدات المستمرة لدول البلطيق والجمهوريات السوفيتية السابقة.
كما حذرت الصين الولايات المتحدة أن تقوم بإبعاد السفن والطائرات بعيدا عن الجزيرة الاصطناعية الجديدة والقاعدة العسكرية في أرخبيل سبراتلي – التي أقامتها في وسط بحر الصين الجنوبي للسيطرة على الممرات البحرية الدولية. ويطلق القادة الإيرانيون تهديدات متكررة بإغلاق مضيق هرمز، فيما تتعالى نبرات كوريا الشمالية وداعش إلى مستويات جديدة من تهديد بتنفيذ هجمات نووية على الولايات المتحدة إلى وضع قوائم لأميركيين كأهداف للقتل.
ويبدو أن ثمة تشابه واضح بين رسائل التهديد بالسلاح في عام 2016 مع تلك المفاخرات والبلطجة من إيطاليا الفاشية والإمبراطورية اليابانية وألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الفائت. ولكن لماذا تتعالى تلك اللهجة الفظة؟ ولماذا الآن؟
بعد الانسحاب المهين من العراق في عام 2011 والانهيار اللاحق للبلد تآكلت مصداقية الولايات المتحدة، بعد الخطوط الحمراء الوهمية في سوريا وتكرار الفشل مع روسيا، والفشل الذريع في بنغازي وتقليص الجيش، فقدت أمريكا هيبة الردع القديمة.
وفي مقابلة أجريت معه مؤخرا، زعم الرئيس أوباما أن سياسته المتخبطة في سوريا واحدة من مفاخره، فيما قلل من شأن بعض حلفائنا ( من المفترض أن من بينهم بريطانيا وفرنسا) أنهم لا يمكن الاعتماد عليهم. وراحت إسرائيل تشكل تحالفا مع بعض أعدائها منذ فترة طويلة على أساس مخاوفهم المشتركة من ايران وعدم الثقة المتبادلة في الالتزام الأميركي، وما إذا كان الاتفاق النووي الأخير محاولة ساذجة من إدارة أوباما لإسترضاء ايران أم أنها خطوة متعمدة للتقرب اليها كحليف جديد.
وقد ألمحت اليابان وكوريا الجنوبية بالتوجه الى امتلاك السلاح النووي بدافع من عدم الثقة المتنامي في التعهدات الأمريكية منذ عقود لتوفير الحماية من دول خطرة مثل الصين وكوريا الشمالية وروسيا.
وفي مقابلة مع مجلة نيويورك تايمز مؤخرا، سخر نائب مستشار الأمن القومي وكاتب خطابات الرئاسة بن رودس من مؤسسة الخارجية الأمريكية، كما تفاخر أيضا بخداع الصحفيين وخبراء السياسة للاندفاع لتأييد الصفقة مع إيران بدون موافقة مجلس الشيوخ أو تأييد الرأي العام. ويبدو أن رودس يؤكد على اتهامات بأن هذه الإدارة تحمل ازدراء للسياسة الخارجية التقليدية للولايات المتحدة.
وإذا كان لنا أن نعرف كيف ومتى فقدت الولايات المتحدة قدرتها على ردع الأعداء وحماية الأصدقاء، لماذا هب العالم غاضبا بصورة مفاجئة في السنة الأخيرة من رئاسة أوباما؟
ربما جاءت المقابلات الأخيرة مع الرئيس أوباما ومستشاريه لتؤكد الانطباع في الخارج بأن النظام العالمي أصبح لقمة سائغة، مع تراجع إدارة البطة العرجاء والدور الأميركي على مستوى العالم. ومع الأخذ في الاعتبار أنه لم يتبق سوى ثمانية أشهر فقط للاستفادة من هذا الفراغ العالمي، يبدو أن روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية والإرهابيين قد بدأوا يعتقدون أن الولايات المتحدة لن تفعل أي شيء لوقف اعتداءاتهم بمجرد أن يغيروا الحقائق العالمية بالقوة.
وتتوقع كوريا الجنوبية واستونيا واليابان ورومانيا وجمهورية التشيك وبولندا والفلبين وجزء كبير من أوروبا تعرضهم لاستفزازات، ويخشون أن الولايات المتحدة ربما تكتفي باصدار المزيد من الخطوط الحمراء والتهديدات الجوفاء بدلا من أن تهب لمساعدتهم.
وربما يكون المعتدون غير متأكدين ما إذا كانت هيلاري كلينتون، في حال انتخابها، ستسير على خطى مشابهة للرئيس الديمقراطي التقليدي الملتزم بقيادة التحالف الغربي، أما إذا انتخب دونالد ترامب، فلن يعرف أي معتد على وجه التحديد لماذا ومتى وكيف ستكون الضربة الموجهة للرد عليه.
ونظرا لهذه الشكوك، قد يبدو من الحكمة للمعتدين أن يقدموا خلال الأشهر الأخيرة من عام 2016 على المجازفة بكل شئ في ظل رد الفعل المتوقع من إدارة أوباما قبل أن تنتهي اللعبة بحلول عام 2017. ولهذا السبب، قد تكون الأشهر القليلة المقبلة هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.

مؤرخ في معهد هوفر في جامعة ستانفورد