دبلوماسية النضج السياسي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٧ ص
دبلوماسية النضج السياسي

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

بدأت في مقالي أمس حديثاً عن قبول الآخر بنا رغم الاختلافات السياسية التي تهز منطقتنا العربية، بخاصة إقليمنا الخليجي الذي تعرّض لزلازل من الحروب والفتن أصابت حتى مكوّناته الدينية رغم أن الرسالة المحمدية بُعثت هنا، من شبه الجزيرة العربية، لكن هناك من لم يخرج بعد من عباءة زمن الفتنة الذي أعقب مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفّان.

ليس خالياً ما يحدث لنا من عناصر المؤامرة، من أولئك الداعمين للأنظمة الشمولية، ثم ينقضون عليها إذا شعروا بأن المركب يميل بهم، ليقفزوا إلى المركب التالي، بخاصة في البلدان ذات العمق الإستراتيجي لهم، نفطاً أو حدوداً، أو البحث عن عدو، كما جرى تسويق القاعدة والحرب على أفغانستان.

كان يمكن أن تنفق البلايين دعماً للسلام، واستثماراً فيه، لكن ليس من السهل وقف الرصاص حينما تتصاعد دقات طبول الحرب..
في عواصم ومدن شتى يأتينا المديح عن نضج السياسة العُمانية.. وهذا مهم بالنسبة لنا كون الحملة التي تعرّضنا لها خلال الفترة الأخيرة من أصدقاء وأشقاء ما كنّا نتوقع شدتها، لكن الهدوء يلعب دوره مرة أخرى، وهذا النضج بدا واضحاً في «ردة الفعل»، الشعبية، ولا أقول الرسمية فقط، والتي لا تقارن بحدّة «الفعل» الموجّه لفظياً صوب عُمان، وطناً وشعباً.

قريباً، وتلك أمنية أكثر منها توقعاً، ستلقي الحرب اليمنية أحمالها، ولن يبقى في النفوس إلا الكلمة الطيبة التي سعت لإصلاح ذات البين، أما البؤس الإنساني الهائل فلن ينسى صانعيه، ومن سائر الأطراف، بينهم، وهو الأهم، اليمني الذي جعل من شقيقه في الوطن عدواً، ومخالفه كافراً، والواقف في الصف الآخر مستوجباً للموت.

أسوق اليمن مثالاً على دبلوماسية النضج السياسي العُماني، وربما أنحاز إلى بلدي لضرورات وطنية دون أدنى إدانة لطريقة عمل الأطراف الأخرى وحساباتها التي ليس بالضرورة أن تكون حساباتنا، أو نقتنع بها على الأقل.

اليمن جارة لنا، كبقية الدول الأخرى، وصولاً إلى الطرف الإيراني.. وإلى آخر دولة يمكننا أن نكسب فيها صديقاً يدرك أننا صنّاع سلام، سلام الشجعان كما جرى الخطاب الفلسطيني ذات حين لا سلام الجبناء، والتاريخ يدرك أننا لم نستسلم ذات دهر لمعتدٍ، جاءنا من بلاد البرتغال أو من بلاد فارس.
ولأن ورطات إقليمنا متواصلة مع الأزمات والحروب فإن عملية اتخاذ المواقف تتطلب شجاعة كبيرة، فليس من السهل أن تقول لا حينما يقول الجميع نعم، أو تفعل العكس تماماً، لكن النتائج السابقة تمنحنا طاقة إضافية نحو تفاعل إيجابي أفضل مع هذه الأزمات، ولأننا نعرف إمكانياتنا، وندرك فضل الكلمة الطيبة على صوت الرصاصة ننحاز أبداً إلى الأولى؛ لأنها تصنع حياة، والثانية تترك ثأراً أكثر مما تحدثه في جسد الضحية.
آن الأوان للاستماع إلى صوت الضمير الدبلوماسي أكثر من المغامرات السياسية التي تتغيّر أسبابها مع تغيّر مصالح الأطراف، وتبدلات الأحوال.