اعترافات «قرصان»

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٧ ص
اعترافات «قرصان»

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

«جون بركنز» خبير ومستشار اقتصادي كبير، صحا ضميره بعد سُبات فخرج بكتاب للعالم يعترف فيه بدوره، هو وزمرة من أمثاله، في إقناع دول نامية بتشييد بنى أساسية «طرق، مطارات، مناطق صناعية»، وتوفير قروض لها من مؤسسات كالبنك الدولي، بشرط قيام المكاتب الهندسية والشركات الأمريكية بتنفيذ هذه المشروعات كي لا تغادر تلك الأموال الولايات المتحدة بل تنتقل ببساطة من حساب لآخر، وكل هذا بهدف إيصال تلك الحكومات لمرحلة عجز لتبدأ الولايات المتحدة بفرض شروط «هيمنة» على الدول العاجزة عن السداد لتنفذ أوامر أمريكا وتنصاع لإملاءاتها!

هذه الاعترافات التي نُشرت في 255 صفحة توجد كثير منها في الموقع الإلكتروني www.johnperkins.org الذي يوضح كيف يتم التلاعب بمقدرات دولنا وكيف تُساق لاستعمار «نظيف».. ويقول بركنز إن سياستهم كانت مبنية على تنفيع أقلية من النخبة وتكوين عائلات ذات نفوذ اقتصادي بحيث يتم ربط رفاهية تلك الشريحة بالتبعية الطويلة المدى للمصالح الأمريكية.

ويقدم مثالا على ما فعلوه الإكوادور إذ يُقر أنهم دفعوها للإفلاس بإيصال الدين العام لـ 240 مليوناً ما جعلها تستلم وتبيع غاباتها لشركات النفط الأمريكية التي تحتضن ثروة نفطية عذراء بحيث تحصل الشركات على 75 % من الأرباح وتمنح الإكوادور 25 % فقط يذهب نصفها لتسديد الديون الخارجية وينفق الباقي (12.5 %) على التعليم والصحة وسواهما!

يقول بركنز: «نحن قراصنة الاقتصاد، استوعبنا دروس التاريخ ولا نحمل سيوفاً ولا نرتدي دروعاً، بل نختلط بمواطني الدول التي نستهدفها ونتظاهر بإنكار الذات، لذا حققنا نجاحات باهرة، ولكن إذا فشلنا (كما في بنما وفنزويلا والعراق إذ لم يرضخ الحكام لشروطنا الاقتصادية) ستدخل فصيلة الثعالب التابعين لوكالة الاستخبارات وهم أكثر منا شراً وسنُزيح الممانعين من رؤساء الدول بحوادث مؤسفة (كما حدث مع مصدق ورئيسي بنما والإكوادور الوطنيين حيث ماتا بسقوط طائرتهما، وكما حدث في الانقلاب الأول على شافيز وصدام حسين)، وفي حال فشل الثعالب في أداء مهمتهم يأتي دور الحرب والغزو واختلاق الإرهاب كما حدث في بنما وأفغانستان والعراق.

ويأتي الكتاب على ذكر دور القراصنة في دول عدة أقرب مما تتوقعون.. يقول القرصان (كنت كلما وضعت تخطيطاً أعد قائمتين لكل مشروع، الأولى التصميمات الهندسية وعقود المقاولات، والثانية عقود الصيانة والإدارة الطويلة المدى)، وكل هذا لتذهب الصفقات والأموال لشركات أمريكية ضخمة تعتاش على العقود الخارجية خصوصا صفقات السلاح من تصنيع وصيانة.

لقد عشنا عقوداً نشكك أنفسنا في نظرية المؤامرة، ونلوم أنفسنا على ارتيابنا وشكنا الدائم في «الآخر» الذي نعلّق فشلنا وضياع ثرواتنا ومقدراتنا على شماعته. ولكن الأدلة التي تتراكم تُثبت بأننا لسنا ربائب الوهم كما نظن، فويلاتنا وعلى رأسها الإرهاب والتنظيمات الدموية خطط طُبخت على نار هادئة لتوجِد منا مناجم لتمويل الاقتصادات الضخمة.. بتواطؤ قوى من الداخل بلا شك.