تايبيه –
توجه الناخبون في تايوان إلى مراكز الاقتراع أمس السبت في انتخابات من المتوقع على نطاق واسع أن تسفر عن انتخاب أول امرأة لرئاسة الجزيرة.
وأظهرت استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات تفوقا واضحا للمرشحة تساي إنج وين ( 59 عاما)، ويرجع السبب في ذلك إلى حد كبير إلى الاستياء واسع النطاق إزاء سياسات الرئيس المنتهية ولايته ما ينج جو.
وتواجه تساي، التي تترأس الحزب التقدمي الديمقراطي، منافسها الرئيسي إريك تشو مرشح الحزب الوطني الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس ما.
وشملت القضايا المطروحة خلال الحملة الانتخابية نظام المعاشات الذي أوشك على الإفلاس، وسلامة الغذاء، وارتفاع أسعار العقارات، والركود الاقتصادي، والرعاية الاجتماعية في مجتمع يتجه نحو تزايد أعداد المسنين فيه مع انخفاض أعداد المواليد.
غير أن قضية العلاقات مع بكين تثير الانقسام بين الحزبين الرئيسيين في تايوان، ويحبذ الحزب الوطني الحاكم إقامة علاقات أكثر قوة مع جمهورية الصين الشعبية، فيما يفضل الحزب التقدمي الديمقراطي المعارض الاستقلال.
ويأتي في المرتبة الثالثة في قائمة المرشحين لانتخابات الرئاسة جيمس سوونج من حزب «الشعب أولا «، غير أنه كما تشير استطلاعات الرأي تكاد تنعدم فرصه في الفوز.
وكانت زعيمة المعارضة التايوانية تساي إنج وين قد سجلت في وقت سابق اسمها لخوض انتخابات الرئاسة على وعد «ببداية جديدة» وسط موجة من الاستياء الشعبي من حزب كومينتانج الحاكم المقرب من الصين.
ويقول الحزب الحاكم إن الصفقات التي أبرمت في الآونة الأخيرة مع الصين أكبر شريك تجاري لتايوان ستساعد اقتصاد الجزيرة لكنه مني بهزيمة في الانتخابات التي جرت في نوفمبر الفائت بسبب عدم الارتياح لوتيرة التقارب مع بكين.
واحتل مئات الطلاب والنشطاء البرلمان في ربيع العام الفائت احتجاجا على مشروع قانون لتحرير التجارة مع الصين.
وتدعو تساي زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي المؤيد لاستقلال البلاد إلى مناخ سياسي جديد لكنها تفادت التطرق لمسألة العلاقات بين تايوان والصين.
وكتبت تساي في صفحتها على موقع فيسبوك بعدما سجلت اسمها كمرشحة رئاسية «أتمنى أن أعطي تايوان سياسة جديدة ونظاما جديدا وبداية جديدة».
وتنتخب تايوان رئيسها المقبل مطلع 2016. ويتوقع على نطاق واسع أن تخوض تساي الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي التقدمي لاختيار مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية للعام المقبل دون منافسة.
مسلمو تايوان
من جهة أخرى يعرب أفراد الأقلية المسلمة في تايوان عن قلقهم قبيل الانتخابات في بلادهم حيث يرون أن الحملات الانتخابية للأحزاب المختلفة لا تولي اهتماما بقضاياهم ومشاكلهم. وتشهد الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون شخص بينهم حوالي 60 ألف مسلم، انتخابات رئاسية وتشريعية.
ويرتفع حظوظ الحزب التقدمي الديمقراطي المعارض في الفوز بالانتخابات، بسبب إخفاق حزب الكومينتانج القومي الحاكم في المجال الاقتصادي، وبسبب العلاقات مع البر الرئيسي (الصين).
وأظهر استطلاعات سابق للرأي حصول مرشحة الحزب التقدمي للرئاسة «تساي إنج ون»، على دعم 50 % من الناخبين، كما تبدو فرص حزبها في الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان، مرتفعة.
ويأمل مسلمو تايوان في أن تؤدي نتائج الانتخابات إلى تقوية السلم والأمن المجتمعي في تايوان.
الجانب الآخر
على الجانب الآخر ورغم بعد المنال، يأمل «إريك تشو» رئيس الحزب التايواني الحاكم أن يفوز بالرئاسة، وقبل شهر من إجراء الانتخابات، سعى «تشو» لأن يستعيد حزبه أصوات الشباب وثقتهم.. وفي مقابلة داخل مقر حزبه «كومينتانج»، أقر تشو بأن « علينا إجراء بعض الإصلاحات.. وتغيير سياستنا ومحاولة التقارب مع الأجيال الأصغر ومع الناس وبذل جهود كثيرة كي نجعل سياستنا أكثر جاذبية».
ومن حيث الشعبية، يأتي تشو (54 عاماً) في مرتبة تالية لزعيمة المعارضة «تساي إنج-وين» في السباق الرئاسي.
ومن المتوقع أن يفوز «الحزب التقدمي الديمقراطي» المعارض بالرئاسة وبالغالبية في البرلمان للمرة الأولى، ويكافح حزب «كومينتانج» كي يتغلب على الفضائح والركود الاقتصادي والتوجس من مسعى الرئيس الحالي «ما ينج-جيو» لتعزيز العلاقات التجارية مع الصين، وهي سياسة يشعر كثيرون من الشباب التايواني أنها تحابي الصفوة الاقتصادية.
وأكد «تشو» أنه يؤيد التقارب مع الصين الذي يتبناه «ما» الذي عقد اجتماعاً تاريخياً مع نظيره الصيني «شي جين بينج» في سنغافورة الشهر الفائت.
وأعلن «تشو» أنه إذا انتخب، سيكرر مثل هذه الاجتماعات الرئاسية وقد يجتمع مع الرئيس الصيني في بلده. لكن تشو يرى ضرورة إجراء إصلاحات لتخفيف التوترات «وخاصة الشكاوى من عدم توزيع الفوائد الاقتصادية بالتساوي» مع الأجيال الأصغر.
وأظهر استطلاع رأي أجراه تليفزيون «تي. في. بي. إس» التايواني في شهر نوفمبر الفائت أن نحو 52٪ من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عاماً يؤيدون الحزب المعارض الذي تتزعمه «تساي» مقارنة مع 19٪ يؤيدون حزب «كومينتانج».
وصرح تشو بأن «الحزب التقدمي الديمقراطي» نجح دوماً في الهجوم على «كومينتانج» بالقول إنه «قريب للغاية من الصين القارية».
وانفصلت تايوان عن الصين منذ 1949، ومنذ بداية تسعينيات القرن الفائت أقامت الصين وتايوان ببطء علاقات اقتصادية بموجب ما عرف باسم مبدأ «صين واحدة»، مما سمح لكل جانب بتفسير ما يعنيه هذا، ولم يوقع الجانبان قط على اتفاقية سلام، والصين القارية تعتبر تايوان إقليماً منفصلاً عنها.
ورغم أن ميثاق «الحزب التقدمي الديمقراطي» المعارض يؤيد رسمياً الاستقلال، فإن زعيمته «تساي» أعلنت تأييدها للإبقاء على الوضع القائم مع الصين. وقبل اجتماع في حملتها الانتخابية خارج تايبه، مؤخراً، صرحت «تساي» للصحفيين بأنها «ستبقي على علاقة سلمية مع الصين» وتشكل حكومة أكثر كفاءة في تايوان.
وتزايدت المخاوف بشأن العلاقات مع الصين في غمرة تدهور اقتصادي في الجانبين، وخفضت تايوان توقعاتها للنمو إلى ما يزيد قليلا على 1 % لهذا العام مقارنة بنحو 7 % في الصين، وتايوان التي تعتمد على الصين في 40 % من صادراتها، شهدت انخفاضاً شديداً في الصادرات.
وأوضح «وانج مين-شينج»، المتحدث باسم «الحزب التقدمي الديمقراطي» أن «تشو لا يفهم سبب استياء الشباب من كومينتانج.. ولا يزال يؤكد على العلاقات عبر المضيق عندما يتعلق الأمر بمستقبلنا الاقتصادي، لكن إذا لم نطور صناعاتنا ونتواصل مع باقي العالم فإن أجيالنا الأصغر ستظل تشعر بالضيق».
وعندما سئل تشو بشأن سياسته تجاه الصين، صرح بأنه سيبقي «على الوضع القائم ويترك المجال للجيل التالي كي يقرر الاتجاه»، وهذا التصريح مثير للاهتمام لأن تشو من المفترض أن يمثل مبادئ حزب «كومينتانج» في المستقبل، وهذا التصريح يصطدم أيضاً بإعلان شي العام 2013 بأن قراراً نهائياً لقضية تايوان «لا يمكن نقله من جيل إلى جيل».
ورغم هذا انتقد «تشو» رفض تساي تأييد مبدأ «صين واحدة»، وأعلن أن «تساي تقول إن الوضع القائم هو ما تؤكد عليه لكنها لم تخبر أحداً بكيفية المحافظة على الوضع القائم هذا». ورفض تشو السعي للفوز بالرئاسة في وقت سابق من هذا العام حتى أطاح مرشح الحزب في أكتوبر الفائت ليشن حملته في اللحظات الأخيرة. وذكر حينها أن منع الحزب التقدمي الديمقراطي من الفوز بالبرلمان أو من الحصول على غالبية تشريعية ساحقة تمكنه من إجراء تعديلات دستورية، كان سبباً رئيسياً لدخوله السباق، وبينما وعد بأن كومينتانج سيكون «معارضة مخلصة» إذا أصبح حزباً للأقلية، فقد حذر من أن أي تعديل دستوري يعلن صراحة استقلال تايوان عن الصين يمثل «خطاً أحمر».