لورانس حدّاد
خلال القرن الماضي، كانت المدارس وصناديق الاقتراع ومجالس إدارة شركات فورتشن 500 هي الساحة التي دارت عليها رُحى المعركة لتأمين المساواة للنساء والفتيات. ولكن إذا كان لنا أن نمحو التفاوت بين الجنسين، فينبغي لنا أن ندرك أننا لم نعد نملك تَرَف إهمال واحد من أسبابه وعواقبه الرئيسية: سوء التغذية.
في الوقت الحالي، يعاني عدد مذهل من الناس (1.6 مليار شخص) في مختلف أنحاء العالم من الأنيميا (فقر الدم)، وهي حالة مَرَضية ترتبط بنقص الحديد بشدة ــ وأحد أعراض أزمة التغذية العالمية التي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء. الواقع أن فقر الدم يصيب عددا من النساء يعادل ضِعف عدد الرجال الذين يصيبهم ــ ما يقرب من واحدة من كل ثلاث نساء وفتيات في مختلف أنحاء العالم ــ ويساهم في 20% من كل الوفيات بين الأمهات.
في عام 2012، أقرت جمعية الصحة العالمية هدف خفض معدل فقر الدم بنحو 50% بحلول عام 2025. ولكن بمعدل التقدم الحالي لن يتحقق هذا الهدف قبل عام 2124. وبرغم المكاسب التي تحققت للنساء بشق الأنفس، فلا نزال متأخرين عن الجدول الزمني بقرن كامل من الزمن عندما يتعلق الأمر بقضية أساسية لضمان صحتهن ونموهن ــ وصحة ونمو أطفالهن.
ولكن يظل الأمل قائما. فإذا استثمرنا في تحسين التغذية الآن فسوف يتسنى لنا ضمان مستقبل أكثر إشراقا للفتيات والنساء في كل مكان ــ في السنوات المائة المقبلة وما بعدها.
لم يعد بإمكاننا أن نتعامل مع التمييز بين الجنسين وسوء التغذية باعتبارهما قضيتين منفصلتين. فالأمران مرتبطان ارتباطا وثيقا؛ وكل من هاتين النقيصتين تعزز الأخرى في نمط يمس النساء في كل مرحلة من مراحل حياتهن. فسوء التغذية ــ بأشكاله كافة ــ سبب ونتيجة في آن لاختلال ميزان القوى العميق بين الرجال والنساء.
يبدأ التفاوت بين الجنسين في رحم المرأة. ففي كل عام، تضع 16 مليون فتاة مراهقة حملها، وأغلبهن في دول منخفضة ومتوسطة الدخل. وإذا كانت الأم تعيش في منطقة حيث معدلات التقزم مرتفعة وكانت في منتصف سنوات المراهقة، ترتفع احتمالات تقزم وليدها ــ ويصبح بالتالي أكثر عُرضة للأمراض والتخلف الإدراكي غير القابل للإصلاح، وهو ما يؤثر سلبا على قدرة أطفالهن على الاستفادة من التعليم وتحقيق كامل إمكاناتهم.
وسوف تكون قدرة هؤلاء الأطفال على كسب المعايش أقل، مما يزيد من احتمالات العيش في فقر، ومعاناة سوء التغذية، ونتيجة لهذا تتزايد مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم في مرحلة لاحقة من حياتهم. ونظرا للتحيزات المجتمعية والاقتصادية ضد المرأة في أغلب الدول، فإن هذه الظروف في مرحلة مبكرة من الحياة تضع الفتيات في مواجهة عائق أشد قسوة. ثم تعيد هذه الدورة نفسها، فتلد الأمهات الضعيفات اللاتي يعانين من سوء التغذية أطفالا يعانون من التقزم، فتدوم دورة التفاوت وعدم المساواة.
ولتحسين نتائج التغذية للفتيات والنساء، يتعين علينا أن نعمل على توسيع نطاق التدخلات التي أثبتت جدواها في برامج التغذية وضمان أن برامج التنمية الأخرى تضع التغذية في الاعتبار. فمن الأهمية بمكان، على سبيل المثال، أن نحرص على تشجيع الرضاعة الطبيعية المبكرة والفورية ــ فهي أداة بالغة القوة ضد التقزم والسِمنة.
كما ينبغي لسياسات وبرامج التنمية أن تضع أوجه اختلال التوازن بين الجنسين في الحسبان. على سبيل المثال، ترتبط برامج الحماية الاجتماعية التي تهدف إلى تحسين سيطرة النساء على تحويلات الدخل، بتحسين نتائج تغذيتهن وأسرهن.
في العديد من الدول، يأتي دور النساء في تناول الطعام بعد أن ينتهي الذكور، وهو ما يحد من فرصهن في الحصول على التغذية المناسبة. كما تتسم سبل رعاية الأمومة وتشجيع الرضاعة الطبيعية بالضعف، الأمر الذي يجعل من الصعب على الأمهات رعاية أطفالهن. وربما تساعد برامج تغيير السلوك، والتواصل، وتقديم القدوة في إضعاف قبضة الأعراف الاجتماعية الضارة المتعلقة بالتغذية والتمييز بين الجنسين.
وسوف يتطلب تحقيق هذه الغاية وضع مخطط أساسي للعمل السياسي. من المقرر أن يصدر تقرير التغذية العالمي على مستوى العالم في الرابع عشر من يونيو/حزيران 2016. ويهدف التقرير إلى تقييم التقدم، وتحسين المساءلة عن الوفاء بالالتزامات العالمية، وإصدار التوصيات للحكومات وأصحاب المصلحة الرئيسيين بالتدابير اللازمة لإنهاء أشكال سوء التغذية كافة بحلول عام 2030.
ولابد أن يبدأ الحوار اليوم. يصادف هذا الأسبوع في كوبنهاجن انعقاد مؤتمر النساء قادرات على الإنجاز لعام 2016 ــ وهو أكبر اجتماع لأنصار قضايا المرأة في عشر. وهناك سوف يجتمع أكثر من 5000 من قادة العالم وصناع السياسات وأنصار قضايا المرأة من 150 دولة لمناقشة، بين قضايا أخرى، كيفية كسر حلقة الفقر والتفاوت بين الجنسين التي تقوض صحة المرأة. ولابد أن تكون الدعوة إلى العمل من أجل قطع الصِلة بين التغذية وعدم المساواة بين الجنسين عالية الصوت بالقدر الكافي لكي يتردد صداها في مختلف أنحاء العالم.
يتعين علينا أن نعمل على إزالة كل العوامل التي تديم التفاوت بين الجنسين. ويبدأ هذا بتوفير التغذية الأفضل للجميع. فمن الواضح أن إحراز أي تقدم في القرن المقبل يتوقف على ذلك.
المؤلف الرئيسي لتقرير التغذية العالمي لعام 2016.