قوة واشنطن امام داعش

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٤/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٦ ص
قوة واشنطن امام  داعش

ديفيد إجناتيوس

وسط عدد كبير من شاشات الكمبيوتر في مركز العمليات المشتركة الذي يدير الحرب ضد داعش أخذ العميد البحري الجنرال بيل مولن يفسر لنا الهجوم المعقد الذي أسفر عن طرد المقاتلين المتطرفين من بلدة الرطبة الاستراتيجية في الجزء الغربي من محافظة الانبار قبل أيام.
وأظهرت المعركة الكيفية التي من المفترض أن تعمل بها الحملة ضد داعش، وهي الهجمات التي تسير ببطء على مدى الأشهر الـ 18 الفائتة. وخلال هذا الشهر نفذت طائرة أمريكية بدون طيار هجوما على أحد الطرق السريعة اسفر عن مقتل شاكر وهيب، "الأمير العسكري" للمسلحين في الانبار، وهو الحدث الذي كان له أثرا معنويا. وقبل يوم المعركة، أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين بحجم كبير على حقول الألغام والسواتر المحيطة بالبلدة، وأعقب ذلك هجوم من القوة المشتركة من الجيش العراقي ومئات من المقاتلين القبليين تم تجنيدهم حديثا وحصلوا على تدريب على يد قوات العمليات الخاصة الأمريكية. وعندما تقدمت هذه القوات ودخلت المدينة لم تجد سوى 30 مسلحا من داعش هم الذين بقوا للقتال في حين هرب الباقون.
ويتولى مولن قيادة غرفة العمليات منذ عام تقريبا، ويصف لحظة وصوله هناك أنه كانت هناك حالة من الكآبة تسيطر على الجيش العراقي بسبب الهزائم المذلة في الموصل والرمادي، بيد أنه مع استعادة مدينة الرمادي أواخر العام الفائت استعادت هذه القوات بعضا من تلك الثقة المفقودة كما يقول مولن.
وما يزال العراق يعيش حالة من الفوضى في ظل خلاف طائفي مع الحكومة المركزية التي أوشكت على الانهيار. وتستند الحملة العسكرية على رمال سياسية متحركة، وقد أثبت اقتحام المتظاهرون الغاضبون من فساد الحكومة للمنطقة الخضراء يوم الجمعة مدى هشاشة الوضع السياسي.
وفي حديثه معي وعدد من الصحفيين الذين سافروا معه قال الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية المعين حديثا والذي يشرف على القوات الامريكية في منطقة الشرق الأوسط، أنه يعتقد على الرغم من التحسن الذي يشهده الجيش العراقي إلا أنه ما يزال أمامه الكثير كي يقوم به. فيما أوضح الجنرال شون ماكفارلاند، الذي تولى قيادة القوات الأمريكية في العراق وسوريا أواخر العام الفائت أن أمامهم مهمة النهوض بالجيش العراقي كي يستعيد قدراته " فهم بالتأكيد أفضل من العدو وهذا هو المعيار".
ويحاول كل من فوتيل وماكفارلاند تسريع الحملة التي بدت في بعض الأوقات أنها أوشكت على التداعى، والقائدان منفتحان على وسائل الإعلام ويعملان بجد لجمع عناصر قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة. والهدف بالتأكيد هو الضغط على تنظيم الدولة من عدة جبهات في آن واحد، والإعداد لهجمات متزامنة على الموصل والفلوجة ومعاقل أخرى. وهذه الاستراتيجية تعكس أهمية تجميع الجهود القتالية في وقت واحد كما يقول فوتيل.

والقوة العسكرية التي يمكن للولايات المتحدة أن تعبئها هائلة، وقد قمنا بزيارة مستودع يعج بـ 37 ألف من الدروع الواقية للبدن، و32 ألف بندقية M-16 سيتم نقلها جوا إلى العراقيين. وفي مركز القيادة شاهدنا كيف يتم دمج وتنسيق الاستخبارات من عشرات الطائرات بدون طيار، وكذا عمليات إطلاق النار المباشر من الصواريخ والطائرات والمدفعية وقوات العمليات الخاصة.
وقام الوفد الصحفي بزيارة لمعسكر في التاجي حيث يحاول مدربون من دول التحالف إعادة بناء الجيش بعد ما لحق به عقب انهياره في الموصل في شهر يونيو عام 2014 كما يقول المقدم جيم هاميت، وهو ضابط من القوات الخاصة الاسترالية يساعد في قيادة فريق يضم قوات قوامها 480 فرد من استراليا ونيوزيلندا وبريطانيا. ووسط مشاعر الإحباط التي لا نهاية في العراق، يرفع فريق التدريب شعارا واحدا: "المثابرة".
أما أبرز التغييرات في المشهد فيتمثل في تعبئة العشائر السنية في الانبار منذ أن بدأت داعش تفقد قبضتها في الرمادي في شهر اكتوبر. وتطورت الميليشيا السنية التي تحصل على مخصصات من قبل الحكومة هذا العام من 6000 إلى 9500 مقاتل، الى جانب قوات اضافية قوامها 6000 من مقاتلي "درع القبائل"، الذين لا يتقاضون راتبا ولكنهم يحصلون على الأسلحة واستحقاقات وفاة. كما تطوع 9000 آخرون من رجال قبائل الانبار بصورة غير رسمية.
وإذا ما تعاون المزيد من شيوخ السنة مع الولايات المتحدة فإن المفارقة أنهم سيقومو بذلك لإعتقادهم أن الجانب الأمريكي هو الذي سيفوز. ويشير القادة الى أسماء سبع قبائل سنية تساهم الآن بمقاتلين ضد داعش، غير أن هذه القبائل تشهد حالات انقسام داخلي، حيث ما يزال جزء منها يدعم داعش، بينما أعلن آخرون تخليهم عن التنظيم. والاستراتيجية التي يمكن لواشنطن ان تحسن الاستفادة منها أن تتعامل مع داعش على أنها تنظيم ضعيفة ومن ثم تقلب الطاولة ضدها من خلال تصعيد حالة تمرد في التنظيم لشق صفه من الداخل.
وما تزال أمريكا تمتلك القوة العسكرية الساحقة، حتى بعد الاختبارات التي تعرضت لها طوال العقد الفائت، ونكاد نجزم أن الحملة الناشئة ستنتهي بتقويض داعش، بيد أن المشكلة – كما يقر بها كافة القادة العسكريين هنا – أن القوات الامريكية قد لا تستطيع أن تجعل العراق المنقسم على نفسه أن يعمل كأمة واحدة.

كاتب عمود رأي بصحيفة واشنطن بوست