يوجد جبل شمس، في ولاية الحمرا بالمنطقة الداخلية في سلطنة عُمان، تحده ولايتا نزوى وبهلا، ويبعد عن مسقط (150) كم. وهو ثاني أعلى قمة في الوطن العربي، بعد جبال الأطلس في المغرب، بارتفاع يصل إلى 3009 أمتار فوق سطح البحر. إضافة إلى أنه أولّ مكان تشرق عليه الشّمس، وأول مكان تغيب عنه. ويضم الجبل أكثر من 30 قرية أغلبها مبني من الحجر والطين، ويقارب عدد سكانه 3400 نسمة.
إطلالة فريدة
لا تأتي شهرة الجبل من ارتفاعه المديد فقط؛ بل تكمن أهميته في التشكيلات الجيولوجية لصخوره الفريدة، كموقع شرفة النّخر وهو "مقطع عميق في قلب الصخر"، ويمكن الإطلالة عليّه من أعلى المنطقة التي تشرف على الهوة. حيث تشاهد مقاطع من الصخور، التي صاغتها عوامل التعرية في أشكال مختلفة، وعلى أعماقٍ سحيقة.
ميزة مُثيرة يحتضنها جبل شمس في أعالي القمم.. حيث "الطقس" البارد شتاءً. وتصل درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، مع إمكانية تساقط الثلوج على القمم. ومعتدل صيفاً.. بما يتيح لمحبي التخييم الاستمتاع بتقاسيمه، ومتابعة شروق الشمس وغروبها، وهي تغرق بين الجبال وكأنها سفينة في محيط عظيم. إضافة إلى ممارسة هواية الرّصد الفلكي لمراقبة الأجرام السماوية من أعلى القمم الشاهقة.
وداعة أهل الجبل لا تُخطئها العين. فما أن تبادر أحدهم بالتحية حتى يشرع في سؤالك عن أحوالك (علومك) وهل ينقصك شيء، وهل تحتاج لمساعدة؟ وقد يتطور الحديث ويتشعب عن المكان. بالذهاب بعيداً إلى بداية الاستيطان، وعن حكايات لِنُسّاك وعُباد اتخذوا من كهوفه مسكناً. وعن مرويات أخرى ارتبط بعضها بالخرافة كضرورة لقهر قسوة الحياة وانعزالها في أقاصي الجبل. أو عن وقائع تاريخية ما زالت ماثلة للعين تحكي حكاية الغُزاة. ولا مانع لديهم من تعريفك بعبقرية أهل الجبل، وكيف استخدموا "الثوم"، لشق القنوات المائية (الأفلاج)، والمسالك على حواف الجبال.
أسرار وأساطير
في جبل شمس؛ تحتفظ الطبيعة بأسرارها. ويحتفظ السكان بحكاياتهم. كحكاية تلك المرأة التي مُسخت صخرة، في ميثولوجيا تجسد مفهوم الثواب والعقاب. حيث تبدأ الحكاية؛ عند صخرة يسميها أهل الجبل "سنْ سَبلة". وتصل الأسطورة ذروتها في منطقة "المرتفعة" وتحديداً عند الصخرة الكبيرة الناتئة. حيث يمكن رؤية تلك الصخرة متصلة وملتحمة مع الجبل في رحلة الصعود. بينما في حالة الاقتراب منها تُرى منفصلة، وتحتاج إلى ما يقرب من ثلاث ساعات للوصول إليها عبر الممرات المتعرجة.
تقف خلف هذه الميثولوجيا "امرأة" غير معرّفة في الرواية الشفاهيّة للسكان، لكنَّ، كل ما يمكن الجزم به أنها كانت مثل ميدوسا التي غضبت عليها "أثينا" نتيجة خطئها مع بوسيدون. فحولتها الآلهة إلى امرأة بشعة المظهر، كما حولت شعرها إلى ثعابين، وكان كل من ينظر إلى عينيها يتحول إلى حجر. بينما أسطورة جبل شمس تحكي عن المرأة التي تمادت في غيّها واستخدمت الخبز "الْفَضْل " لتنظيف طفلها الرضيع، فأخذها الله بما فعلت بأن انفلقت الصخرة التي كانت تؤوي بيتها عن الجبل، ثم حُنطت عليها، وتالياً مُسخت إلى حجرٍ أَصم.. في اقتباس مشابه لقصة أصحاب السبت من بني إسرائيل.
حكاية تاريخية أخرى .. يحتفظ بها أهل الجبل في قرية "غُول"، بحصنها المسمى "حصن الفرس"، الذي حمل بين جدرانه؛ ذاكرة غزاة مروا في المكان. إذ يُحكى أنَّ هذا الحصن بناه الفرس "الأَسَاورة" عندما عجزوا عن فك الحصار الذي ضربه عليهم "مالك بن فهم" الذي حكم عُمان في الفترة (196 - 231) ميلادية. أي، بعد هجرة القبائل الأزدية أرض "دوس" والتي قادها مَالك إلى عُمان، عقب هجرتهم من اليمن إثر انهيار سد مأرب وتفرقهم في الجزيرة العربية.
في القرية الوادعة، ذات الطبيعة السّاحرة. يمكننا الوقوف على هذا التاريخ السحيق بما تبقى من الحصن، والذي بات مسكناً وموئلاً للعقبان والبازيات تبني أعشاشها على ذاكرة جدرانه.
أن تعيش في مكان منعزل، يعني، بالضرورة أن تكون لديك القدرة على الابتكار وتطويع الطبيعة. وهذا بالفعل ما قام به "السكان" من شق الطرق على "حروف" الجبال الحادة. التي ما إن تراها حتى تأخذك الدهشة للكيفية التي أتموا فيها عملهم، وهم أقرب ما يكونون من الهاوية.
هندسة الطبيعة
هذه ليست خرافة يحتضنها جبل شمس بين قممه ووديانه وفوالقه الصخرية! فالجبل بما ينطوي عليه من إبداع الخالق لا يحتاج إلى أن يسرد عنه أهله الخرافات. فقد تفوّق أهل الجبل في استخدام "الثوم" منذ القدم، على الكثير من الحضارات القديمة التي استخدمت الثوم مقوياً ومضادا للأمراض وقاتلا للجراثيم.
ثوم جبل شمس يعتبر من أجود الأصناف وأقواها رائحة وتركيزاً في عطره الطّيّار، وقد وظّف الأهالي جميع هذه الميزات ليس في المنحى العلاجي فحسب، بل تجاوزوا ذلك في عملية تطويع الطبيعة الصخرية القاسية. بأن يقوموا بهرس ودق الثوم جيداً، ثم يمسحون به على الصخور فتنفلق بعد مدة بفعل قوة الزيوت الطيارة، مما ساعدهم على شق الطرق، وقنوات الماء حتى وقت قريب.
لا يمكن الاحتفاء بالمكان في غياب أهله، الذين تراهم في غدوات الإشراق الأولى للنهار بين الحقول والبساتين، وقد تصادف امرأة بزيها التقليدي تبادلك التحية وهي تحمل ما تيسر لها من حطب الحكايات - تشعله لصنع قهوتها الصباحية - هي باكورة ابتداء النهار في جبل شمس مع حبات التمر. وقد ترأف بك الطبيعة برؤية أسراب من طيور القطا في تجربة لا تتكرر. أو فتىً يسير الهوينى على الطريق، تتبعه قطعان أغنام في طريقها إلى بطن الجبل، ولربما تقدم لك القمم هداياها وتجعلك على مرمى حجر من نَسر فرد جناحيه في عملية أزليَّة، وكأنَّهُّ في مطاردة حميمة مع عين الشمس.
المصدر:موقع العربي الجديد