كان –
على مدى مشواره السينمائي الذي انطلق عام 2008 استطاع المخرج الإيراني أصغر فرهادي أن يحقق حضورا لافتا بل يتجاوز نسبة كبيرة من أبناء جيله ومن الذين سبقوه ليحلق بعيدا عبر إنتاجات سينمائية رسخته كأحد أهم صناع السينما في إيران والعالم.
فرهادي كان قد فاز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن فيلمه «انفصال» عام 2009 ليقدم بعده كما من النتاجات التي عمدته من الصناع الكبار وهو يمتاز بمقدرته على صناعة الحكاية ويترك للمشاهد والناقد والباحث مهمة التحليل والذهاب إلى عمق التفاصيل التي يقدمها في أعماله التي تأتي دائما في الاطار الاجتماعي ولكنها تتجاوز ذلك بالكثير ولريما أبعد وأعمق وأثرى. في فيلمه «البائع» او «سيلزمان» يعتمد على سيناريو قام بكتابته مستحضرا مسرحية «موت بائع متجول» لارثر ميلر ولكن في قراءة سينمائية متجددة تجمع بين السينما والمسرح.
ونذهب إلى الفيلم الذي يتحدث عن حكاية عماد «شهاب حسيني» الذي يعمل مدرسا في الفترة الصباحية وممثلا فى الفترة المسائية والذي تضطره الظروف بعد حدوث زلزال صدع العمارة التي يسكنون بها الى أن يغادر الشقة مع زوجته بحثا عن سكن جديد حيث يدله أحد الزملاء في الفرقة على شقة فرغت للتو لاحدى السيدات التي غادرت الفرقة ولا تزال بعض حاجياتها في المنزل.
ويوافق على الانتقال الى الشقة الجديدة وان ظلت بعض الاغراض للساكنة السابقة. ذات يوم تسمع زوجته رانا «تارانا علدوستي» جرس الباب ولأنها كانت تستعد لدخول الحمام فإنها تقوم بفتح الباب الخارجي وايضا باب الشقة معتقدة بأن من قرع الباب هو زوجها.
ولكنها فور دخولها الحمام تكتشف بأن من دخل المنزل هو شخص آخر تضطر أمامه للصراخ ليرد بضربها وتسقط مغشية. بعدها تبدأ مهمة الزوج بالبحث عن الفاعل دون أن يخبر الشرطة بالامر. وتتوالى الأحداث في رحلة تقول إن كل شيء تغير حتى الكبار في السن الذين كانوا نموذجاً للسلام وباتوا يرتكبون الجرائم. سينما أصغر فرهادتي هي سينما الحكاية المحبوبة والثرية والتي كلما تأملت مضامينها اكتشفت الكثير من القضايا عبر التفاصيل التي تأتي حبلى بالطروحات.
وتذهب سينما فرهادي إلى السياسة بلا تصريح وبلا شعارات فهو يذهب الى السياسة من خلال المنظور والطرح الاجتماعي.
في الفيلم احترافية عالية في الكتابة وايضا التصوير الذي قام به المصور الايراني حسين جعفريان بالاضافة الى الموسيقى التي أضافت بعداً جديداً وقد صاغها ستار اوركاي. ويبقى أن نقول إن المخرج الايراني أصغر فرهادي في فيلمه «البائع» يشتغل على الحكاية البسيطة ليقول الكثير بلا شعارات هاجسه حرفته وأيضا الاشكاليات التي تتمحور حول الحكاية وشخوصها، وهي إشكاليات تشكل قيمة هذا المبدع الكبير.