وداعــــاً بابـــل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/مايو/٢٠١٦ ٠٢:٥٦ ص

على المسرح المفتوح في المدينة الأثرية أقام مهرجان بابل وداعيته لدورته الخامسة، واختار فيلم «محمد رسول الله» ليسدل الستار على حدث احتفى بالشعر والموسيقى والمسرح والسينما وغيرها من أشكال التعبير الإنساني الجميل.

كانت ليلة استثنائية في صياغة مشهد فني أنيق، القمر المكتمل والتاريخ معنا، والرسائل السياسية تصل أكثر من الثقافية، مهما انتهجت الكلمة والفكر في الصياغة، أسئلة الفيلم أمامي، وأسئلة التاريخ حولي، تبدّلت لغة قريش لتتكلم الفارسية، ونطق بها الرسول الكريم في الفيلم، وكانت الترجمة إلى اللغة العربية لازمة لتوصيل المعنى إلى الجمهور.

وفق ما عرفته فإن المخرج أراد التركيز على شخصية أبي طالب أيضا وتقديمه من منظور آخر عمّا قدمه فيلم الرسالة للراحل مصطفى العقّاد، كما أنه تجنب اتهامه بمعاداة السامية في طرحه للشخصية اليهودية حيث يبتغي توزيعه في أمريكا وأوروبا، وما قدمه هو الجزء الأول من ثلاثية تشكل في مجموعها عملاً جريئاً قدم النبي الكريم مجسداً، علماً أن الرسول عليه السلام ظهر في الفيلم مولياً ظهره للكاميرا في كل مرة، لتجنب ظهور وجهه.
ولأن التفجيرات كانت تتواصل في بغداد، وملاحقة داعش تنبئ عن تراجع سيطرة التنظيم الإرهابي على المدن والقرى العراقية، فإن رسالة مهرجان بابل أرادت تقديم وجه آخر لعراق ما بعد صدام حسين، محاولة النهوض مرة أخرى، التخفف من أعباء الأمس، وتحديات اليوم، لعل المستقبل يبدو أفضل للمواطن العراقي، وقد أتعبه إرث الديكتاتورية ومزالق الطائفية والتناقضات السياسية، لكن جذور بعض ذلك ممتدة، وتجذير الباقي مستمر، وخطابات الكراهية تتصاعد.. كأنما صراع الخلافة حدث البارحة.

في الساعة الأخيرة قبل أن تحملني السيارة إلى مطار النجف حدثتني نفسي بالرغبة في التنزه داخل المنتجع المطل على شط الحلة، تحت هامة أحد قصور صدام، وبجوار قاعة كبرى بنيت بذات الفخامة التي كان عليها الزعيم/‏ الطاغية، حيث نقشه محفور على كل طوبة في جدار المبنى، وعلى إحدى القاعات الفخمة (كان يراد منه أن يكون مطعما رئاسيا) استدارت أبيات مديح الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد لصدام حسين (وكلاهما غادر الوجود) لتشكل لوحة خط تستدير على أركان السقف الأربعة، وفي قلب السقف نقشت أسماء صدام حسين الحسنى، وعددها 99 اسماً.

كان ماء الفرات ينساب بساحرية أمام المطعم وهو يقاوم الإهمال، مطعم سياحي من فئة سبع نجمات كان يمكنه أن يدرّ ذهبا لولا الاقتتال على تحقيق الاستفادة منه من المتحاصصين (مالاً وفساداً)، بعضهم يقول إننا نجني ما حصده صدام من أنظمة فاسدة تربت على ثقافة المصلحة أولا، وبأي وسيلة كانت لتحقيق الغاية، وهناك من يترحم على زمن كانت فيه دولة، رغم كل المآخذ عليه.
في الطريق إلى المطار كانت السيارة المقلة لنا تعبر حواجز التفتيش والنقاط الأمنية واحداً بعد آخر، وكانت النجف تستعد للشعبانية حيث تستقبل الآلاف من البشر لزيارة الأضرحة، ضريح الإمام علي ونسله، وذلك بعض ما حصدوه من الزمن الجديد، بعد اختناق دام عقوداً من التضييق السابق، ولذا من حقهم القول إنهم استراحوا من عهده، كما يقول مخالفوهم: ليته يعود.