تعريف مشكلة لاجئي أوروبا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/مايو/٢٠١٦ ٠٢:٥١ ص
تعريف مشكلة لاجئي أوروبا

آنا بالاسيو

إن التعامل مع ما يطلق عليه أزمة اللاجئين حتى بمعايير الإتحاد الأوروبي كان سيئا للغاية وهذا يبدو أنه يتحدى المنطق ففي حين إن الإزمة هي بالتأكيد تعد تحديا ،إلا أن حقوق الإنسان بما
في ذلك حماية اللاجئين هي جزء لا يتجزأ من الحمض النووي لأوروبا كما إن الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي التي تعاني من الشيخوخة ومن التحديات السكانية بحاجة للمهاجرين ولكن عوضا عن تحفيز الحلول فإن الإزمة الحالية قد إستحضرت كل ما هو بشع وعاجز وفاشل فيما يتعلق بالمشروع الأوروبي فما الذي حصل ؟
كما هو الحال في كثير من الأحيان فيما يتعلق بالإتحاد الأوروبي فإن المشكلة تتمثل في عدم الوضوح. إن صعوبة التفريق بين اللاجئين والمهاجرين قد جعل من المستحيل عمليا تقديم حجج مقنعة لصالح توفير الحماية المناسبة للاجئين أو صياغة سياسة أكثر فعالية تتعلق بالهجرة ولقد أحبط ذلك المناقشات الصريحة والبناءة مما سمح لإولئك الذين يروجون للخوف والعداء للمهاجرين بتحقيق مكاسب.
إن الخلط بين المهاجرين واللاجئين ربما لم يكن نتيجة لنوايا خبيثة وبعد إدخال سياسة الباب المفتوح للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل تجاه اللاجئين في سبتمبر الماضي ،ظهرت مجموعة من التقارير تقدم حجج إقتصادية وديمغرافية من أجل تأطير قرارها ولكن مثل تلك الحجج سممت فكرة حماية اللاجئين فالتركيز على الدور الإقتصادي المحتمل للاجئين أدى بغير قصد لتعزيز وجهة النظر بإنهم في واقع الأمر مهاجرين إقتصاديين.
إن الإحزاب الشعبوية والتي وجدت لنفسها موطأ قدم وذلك بإستغلال مخاوف الناس وإحباطهم من العولمة إستغلوا ذلك المفهوم ،وفي وقت ترتفع فيه معدلات البطالة طويلة الأجل وتزيد فيه أعباء الدين العام ، أعلنت تلك الإحزاب بإن اللاجئين سيأخذون الوظائف من الإتحاد الأوروبي أو ما هو أسوأ من ذلك أي إستنفاذ المزايا الإجتماعية الممولة من دافع الضرائب الأوروبي .
إن بعض الشعوب الأوروبية والتي شعرت بالإحباط من طريقة تعامل الإتحاد الأوروبي مع أزمات فائتة قد بدأت بالفعل بالوقوع فريسة للمشاعر القومية وعليه لم يكن من الصعوبة بالنسبة للشعبويين تصوير مئات الآلآف من اللاجئين المتدفقين على الدول الأوروبية كتهديد جديد للهوية الوطنية . إن المشاهد الفوضوية على الحدود من كاليه ومقدونيا وكوس عززت من المشهد المضطرب وأخيرا فإن الهجمات الإرهابية البشعة في باريس وبروكسل وعلى الرغم من أنها وقعت على أيدي مواطنين أوروبيين فلقد أضافت للمناقشات شعورا عميقا بإنعدام الأمن .
عندما نضع كل تلك التحديات معا فإن المشكلة تبدو صعبة للغاية مما يعطي إنطباعا بإن الرد الإنعزالي هو الأمل الوحيد لدول الإتحاد الأوروبي من أجل حماية أنفسها ولكن الذي تواجهه أوروبا بالفعل هو ثلاثة تحديات مختلفة : حماية اللاجئين كما هو مطلوب من قبل القانون الأوروبي والدولي وتطوير سياسة فعالة ومستدامة تتعلق بالهجرة ويمكن أن تكون مفيدة للإتحاد الأوروبي والتعامل مع إستياء الجيل الثاني والثالث من مجتمعات المهاجرين في أوروبا . عندما يتم النظر في تلك التحديات كل على حده فإن الحلول الفعالة تبدأ بالظهور.
بالنسبة للتطرف بين المجتمعات التي تعيش في أوروبا فلقد قيل الكثير وخاصة لاحقا لهجمات بروكسل في مارس الفائت . لقد أشار عدد قليل جدا من الناس لحقيقة مفادها هي أنهم أوروبيين . إن التعامل مع شعورهم بالقلق والإحباط ضمن سياق الهجرة فقط سيجعل المزيد منهم يشعرون بالنفور والإنعزال .
بالنسبة لتحدي اللاجئين فإن الحل يجب أن يبدأ بالوضوح فيما يتعلق بمسؤوليات أوروبا. إن واجب توفير الحماية للذين لديهم " مخاوف حقيقية بالإضطهاد"منصوص عليها في المعاهدة المتعلقة بوضعية اللاجئين والتي تم التأكيد عليها في معاهدة لشبونة أي بعبارة أخرى يتوجب على الإتحاد الأوروبي حماية أولئك الذين يواجهون خطرا محدقا لو عادوا لبلدانهم الإصلية وليس كل شخص يصل لحدوده.
في واقع الأمر من غير المفترض أن تكون الحماية دائمة فعندما يصبح الوضع آمنا للعودة إلى ديارهم فإن أولئك الذين لم يحصلوا على إقامة دائمة أو جنسية يجب أن يعودوا لديارهم . يجب أن يفهم الجميع أن الإلتزام بحماية الناس الذين يفرون من الإضطهاد له حدوده.
يجب أن لا يقع هذا العبء على عاتق أوروبا لوحدها فكامل المجتمع الدولي يجب أن يقوم بدوره كذلك . لقد تم عقد مؤتمر دولي سنة 1979 للتعامل مع أزمة اللاجئين التي نشأت بعد نهاية حرب فينتنام والتدمير الذي تسببت به أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها حركة الخمير الحمر في كمبوديا وخلال فترة عامين بعد المؤتمر تم إعادة توطين أكثر من 620 ألف لاجىء في 20 بلد ونحن بحاجة بشدة اليوم لمثل هذا التعاون اليوم وطالما أن بقية المجتمع الدولي يفشل في تحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين فإنه سيكون من الصعب إقناع الرأي العام الأوروبي المتشكك بعمل ذلك .
إن الوضوح حيوي كذلك في التعامل مع الهجرة فالترحيب بالمهاجرين هو في مصلحة أوروبا ولكن من هم المهاجرين الذين تريدهم أوروبا على وجه التحديد. إن كلا من الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء ليس لديهم سياسة متماسكة ومحكمة تتعلق بالهجرة وتضع هذا الهدف بالحسبان . إن هذا يجب أن يتغير حيث يجب أن يظهر الإتحاد الأوروبي قدرته على جذب المهارات والعمالة الضرورية للتحقق من النمو الإقتصادي والتنافسية.
إلى جانب سياسة مناسبة تتعلق باللجوء والهجرة فإن أوروبا تحتاج لإدوات مناسبة لتطبقها فلن يجدي أي قدر من الرسائل والحوافز لو كانت الحدود غير مؤمنة أو لم تكن قوانين الهجرة مطبقة بشكل فعال .
لقد قيل أن التفريق بين اللاجئين والمهاجرين هو عبارة عن رمز لإستثناء كلاهما وهذا غير صحيح فإن السعي لفهم أكثر دقة للمشاكل المختلفة التي تواجه أوروبا يعد أمرا حيويا من أجل حلها .
لو أردنا التعامل مع إستياء المجتمعات المهمشة ضمن أوروبا فنحن بحاجة لفهم العوامل الكامنة ورائها ولو أردنا تلبية الإلتزامات الدولية الخاصة بنا تجاه اللاجئين ، فنحن بحاجة لمعرفة تلك المسؤوليات. لو أردنا التحقق من أن الهجرة تفيد القادمين الجدد والمجتمعات المستضيفة لهم ، فنحن بحاحة لتحديد الفوائد التي نسعى لتحقيقها وبدون مثل هذا الوضوح فإن الشعبويين الذين يسعون لتمزيقنا بإجندتهم المبسطة والتي تقوم على كراهية الأجانب سوف ينجحون .

وزيرة خارجية أسبانيا السابقة،