إيران في الصحافة الخليجية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/مايو/٢٠١٦ ٠٢:٤٩ ص
إيران في الصحافة الخليجية

أ.د. حسني نصر

لعلها من المرات النادرة التي يتحول فيها كُتاب الصحف إلى موضوع لدراسة علمية تهتم بتتبع كتاباتهم وتحليل اتجاهاتهم ورؤاهم بطريقة منهجية في موضوع يبدو شائكا، وهو السياسة الخارجية الإيرانية. الدراسة قدمتها باحثة بحرينية للحصول على درجة الماجستير في الإعلام من الجامعة الأهلية في البحرين، وكان من حسن حظي أن شاركت في مناقشتها والحكم عليها الأسبوع الفائت في المنامة.
الدراسة حملت عنوان "معالجة الصحافة الخليجية للسياسة الإيرانية: دراسة تحليلية لمقالات الرأي"، وأنجزتها الطالبة فاطمة عبد الله خليل إبراهيم، مستهدفة الإجابة عن سؤال رئيس يتعلق بكيفية معالجة مقالات الرأي في الصحف الخليجية السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول الخليج، ومجموعة من الأسئلة الفرعية التي تتصل بترتيب أولويات السياسة الخارجية الإيرانية والخليج العربي في الصحف الخليجية من وجهة نظر كتاب مقالات الرأي، واتجاهات المعالجة وأهدافها، ومسارات البرهنة والإقناع والأطر المرجعية التي استند إليها الكُتاب في طروحاتهم.
وبعد حديث نظري طويل ومفصل عن نشأة الصحافة الخليجية وتطورها، والسياسة الخارجية وأدواتها ومحدداتها، والأبعاد التاريخية للعلاقات الخليجية الإيرانية، والمؤسسات الفاعلة في السياسة الخارجية الإيرانية، وأدواتها واهم ملامحها، جاءت نتائج الدراسة التي ينبغي لإدارات تحرير الصحف الخليجية وكتابها الوقوف أمامها واستخلاص الدروس منها، حتى تستطيع أن ترتقي بالمعالجة الصحفية للشؤون الإيرانية بشكل يجعل هذه المعالجة أكثر اتزانا، وبما يخدم مصالح دول الخليج في المقام الأول.
والواقع أن هذه الدراسة التي تلقي الضوء على تعامل كتاب الصحف الخليجية مع إيران وسياستها الخارجية، يمكن الاعتماد على نتائجها في التوصل إلى سياسة تحريرية تعالج جوانب النقص في هذا التعامل وتسد الثغرات الكثيرة التي كشفت عنها الدراسة في تعاطينا مع الشأن الإيراني. وعلى سبيل المثال فقد أكدت الدراسة غلبة القضايا السياسية في المعالجة وبفارق كبير على غيرها من القضايا الإيرانية، تليها القضايا الأمنية، ثم القضايا الإنسانية، مع تدني الاهتمام بالقضايا العسكرية والاقتصادية والثقافية والدينية. وقد علقت الباحثة على ذلك قائلة بإن البعدين الثقافي والديني لم يحظيا باهتمام كاف من جانب كُتاب مقالات الراي في الصحف الخليجية رغم انهما البعدان الأهم اللذين تستخدمهما إيران في اختراق منطقة الخليج العربي.
وفي تفصيل الاهتمام بالقضايا السياسية أوضحت الدراسة أن قضية تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدول أخرى جاءت على رأس اهتمامات كتاب الصحف الخليجية، تلتها قضية عدم احترام القوانين والأعراف الدولية، وفي المرتبة الثالثة جاءت قضية العلاقات الإيرانية الخليجية. وبدرجات اهتمام أقل فقد اهتم كتاب الرأي في الصحف الخليجية بقضية تصدير الثورة الإسلامية، والمشروع النووي الإيراني، وعلاقة إيران بالمجتمع الدولي ونزعاتها التوسعية.
أما في تفصيل التدخل الإيراني في شؤون الآخرين فقد جاء التدخل في شؤون دول عربية أخرى في الصدارة، تلاه التدخل في شؤون دول خليجية في المرتبة الثانية، ثم التدخل في شؤون دول غير عربية. وأشارت الدراسة إلى أن مقالات الصحف الخليجية التي تناولت التدخلات الإيرانية في دول الخليج ركزت في اغلب الأحيان على ثلاثة دول هي البحرين والكويت والسعودية.
ولعل من أهم ما خلصت إليه الدراسة المهمة أن معالجة كتاب الصحافة الخليجية للعلاقات الإيرانية الخليجية كانت معالجة سلبية بامتياز، وبنسبة بلغت 94 بالمائة، وهو الأمر الذى يؤكد ما يعترى هذه العلاقات من توتر وصراع، ناتجين- في رأي الباحثة- من السياسات الإيرانية العدائية تجاه دول الخليج العربي وسياستها في القضايا التي يكون الخليج العربي طرفا فاعلا ورئيسا فيها. وهنا تشير الباحثة إلى أن الطرح الإيجابي المحدود للعلاقة الخليجية الإيرانية جاء في موضوعات اقتصادية، ورافق رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن طهران، وهو طرح تميزت به- كما تؤكد الباحثة- الصحف العُمانية.
لقد كشفت الدراسة عن وعي متزايد لدي كتاب الصحف الخليجية بالمخاطر التي تمثلها سياسة إيران الخارجية على أمن دول الخليج. إذ كشف تحليل مضمون مقالات الرأي بروز واضح لتهديد إيران لأمن ومصالح الدول الأخرى، وإثارة الفتن فيها، وهذا، كما تقول الباحثة، مؤشر خطير على حجم ما يشعر به المجتمع الخليجي، ممثلا في كُتاب الصحف، من تهديد أمنى من جانب إيران. ويحسب لكُتاب الصحف الخليجية أن ما قدموه من آراء في مقالاتهم تميز، وفقا لنتائج الدراسة، بالتحليل والتفسير ولم يقتصر على العرض المجرد للقضايا التي تناولوها، واستطاع نسبة كبيرة من الكتاب تخطي التحليل والتفسير إلى الحث على اتخاذ موقف من القضية، واقتراح حلول للتعامل الفعال مع السياسة الخارجية الإيرانية.
ومن أبرز ما تقدمه هذه الدراسة أيضا ما يتعلق بمسارات البرهنة والإقناع التي استخدمها الكُتاب في مقالاتهم بشأن إيران. إذ كشفت عن تزايد واضح في استخدام النعوت والصفات المسيئة على حساب تقديم إحصاءات وأرقام وأدلة وبراهين منطقية، وهو ما يكشف عن احتقان نخبوي تجاه إيران وسياستها الخارجية.
بقي أن نشير إلى اهم ما أوصت به الدراسة وهو إنشاء مراكز بحثية خليجية متخصصة في الشأن الإيراني في دول الخليج العربي، وهو ما قد يزيد فهم وإدراك صناع القرار والكتاب والصحفيون بحقيقة ما يجرى في إيران، وما يعزز بالتالي مستوى العلاقات الإيرانية الخليجية.

اكاديمي في جامعة السلطان قابوس