الطفرة العالمية القادمة ــ والإخفاق

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٢/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٣٥ م
الطفرة العالمية القادمة ــ والإخفاق

شهدت اجتماعات الربيع التي جرت هنا في بداية هذا الشهر بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مزاجا محبطا. فقد أفضى تنقيح التوقعات الأخيرة لصندوق النقد الدولي حول نمو الاقتصاد العالمي إلى تخفيض هذه التوقعات للمرة الثانية ــ مما يعني أن الاقتصاد العالمي سينمو هذا العام بمعدل سنوي يزيد قليلا عن 3% وبنفس المعدل للمرة الثانية عام 2017.

وهو أداء رديء لو تحققت التوقعات. فقد تراوح النمو العالمي عام 2007 (وفقا لتقارير صندوق النقد الدولي) بين 4.5 إلى 5% معتمدا على تحسن ثابت للإنتاجية في الدول الصناعية وعلى الارتفاع السريع لمستويات المعيشة في الأسواق الناشئة الكبيرة مثل الصين والبرازيل وروسيا.

والآن، تواجه الولايات المتحدة حالة عدم اليقين التي تصاحب الانتخابات الرئاسية، وتواصل الأطراف الأضعف لمنطقة اليورو تقدمها بصعوبة، وتترنح اليابان على حافة انكماش اقتصادي كامل. وتقع البرازيل في خضم أزمة سياسية، فيما تعالج الصين الآثار المترتبة على التوسع المالي المزمن والنمو الانفجاري لنظام الظل المصرفي بها. ويقوض انخفاض أسعار السلع الأساسية الأداء الاقتصادي في العديد من الأسواق الناشئة الأخرى. وفوق هذا وذاك، قد يصوت البريطانيون في شهر يونيو لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
يتأثر النشاط الاقتصادي بالثقة: فهل يعتقد المستهلكون أن دخولهم على الأرجح سترتفع (أو حتى تظل آمنة)، وهل تعتقد الشركات أن النمو في المستقبل سيزدهر بالقدر الكافي لتبرير استثماراتهم الحالية؟ إن مزاجا عاما يطغى عليه التشاؤم اليوم.
ومع ذلك فمن غير المحتمل أن يكون الركود العالمي هو السيناريو متوسط الأجل. فما زالت تكنولوجيات جديدة تُخترع، ومازال مليارات الناس يتطلعون لتحسين مستوى معيشتهم عبر التعليم والعمل الشاق. وأبدت الاقتصاديات الصناعية الرائدة مرونة استثنائية الطابع في مواجهة الصدمات الكبيرة السلبية للقطاع المالي طوال العقد المنصرم ــ مثلما فعلت الصين.
وانخفضت البطالة في الولايات المتحدة بنسبة 5% ، وتبلي بعض أجزاء من أوروبا بلاء حسنا. والجانب الأهم فيما يتعلق بدورة أسعار السلع الأساسية هي أنها بالفعل «دورة»: فالطلب على السلع الأساسية يرتفع وينخفض، بينما العرض يتغير ببطء فقط. وينبغي لنا توقع حدوث تقلبات في أسعار السلع الأساسية ــ وكذلك في أسعار النفط. بيد أن القضية الكبرى هي ما إذا كان بوسعنا الترجل من هذا القطار الاقتصادي الصاعد الهابط على الدوام والعودة إلى النمو العالمي القوي والابتعاد عن الاستهلاك المفرط الذي يتم تمويله بالدين (كما حدث في الولايات المتحدة قبل عام 2008) وعن الاستثمار المفرط (مثلما يحدث في الصين) وعن التوسع المفرط في الإنفاق الحكومي (الذي مازال يمثل مشكلة في بعض أجزاء من أوروبا). ويمكن بالديون تمويل استثمارات إنتاجية وتحسين الرأسمال البشري. ولكن لماذا يبدو أننا نحب الديون دائما حبا جما؟ يكمن جزء من الإجابة على هذا السؤال في النظم الضريبية التي تسمح في بعض البلدان بخصم بعض أقساط فوائد القروض الاستهلاكية (على سبيل المثال، الرهون العقارية في الولايات المتحدة) من الدخل الخاضع للضريبة، وعادة ما تُخصم أيضا أقساط الفوائد على قروض الشركات.
بيد أن الإغراء الرئيسي للدين هو أنه عقد شديد البساطة: فإما أن تدفع المبلغ المُتفق عليه أو لا تدفع. وحين تسير الأمور على ما يرام، يحقق المشروع المعتمد بشدة على الاستدانة ــ شركة أو منزلك ــ عائدا كبيرا على الملكية. بيد أن هذه العائدات ليست مُعدلة وفقا للمخاطر، مما يعني أنه حين ينهار الاقتصاد تحدث خسائر فادحة، ذلك الدرس الذي تعلمه أصحاب المنازل في الولايات المتحدة عام 2008 وتعلمته التكتلات الكورية عام 1997 وتعلمته أيضا مرارا وتكرارا حكومات الأسواق الناشئة.
ويعلم صُناع السياسة أن الدين المفرط يقود إلى هشاشة مالية، بالطبع، ولذا استهدفت بعض الجهود الرامية للإصلاح طوال العقد المنصرم تقليص نسب الاستدانة لدى الشركات. بيد أن من الصعب إجراء إصلاح مالي أثناء الركود الاقتصادي، حين تكون المهمة الرئيسية هي تنشيط النمو. وعادة ما تظل الأهداف الرسمية، مرارا وتكرارا، على ما هي عليه، حيث توصل القادة السياسيون إلى أنه من الأسهل ببساطة استمرار النظام القائم للقواعد والحوافز والضمانات. ولأن الشركات المالية الكبرى تعمل بشكل جيد للغاية مع قدر كبير من الاستدانة، فهي تستمر في تكريس موارد الضغط الوفيرة في مواجه الجهود المقاومة لها لضمان رسملة أفضل (مع توسيع حقوق ملكية حملة الأسهم نسبة إلى إجمالي ميزانياتهم العمومية).
الواقع أن البنوك الأكبر في الولايات المتحدة ــ بل وأيضا في معظم البلدان الأخرى ــ أصبحت اليوم أكبر مما كانت عليه قبل عام 2008. وتشير جميع التقديرات الموضوعية إلى أن المحركات الداخلية لعمل هذه البنوك لم تشهد تغييرا يذكر، وأن القيود المفروضة على نشاطها لا يحتمل أن تكون فعالة في ظرف يستعيد فيه النمو العالمي عافيته.
وفي الولايات المتحدة، يحدو المسئولون الأمل في أن تضطر الشركات المالية الأكبر في نهاية المطاف للإذعان لأحكام قانون دود - فرانك للإصلاح المالي الذي صدر عام 2010 والذي يطالبها بتقديم تقارير ذات مصداقية حول أوضاعها. ولكن، أخفقت معظم البنوك الكبرى مرارا وتكرارا في وضع خطط معقولة تفسر كيف يمكن أن تٌفلس دون أن تنتظر أي مساعدة من الحكومة ودون الإضرار بالاقتصاد العالمي، ورغم ذلك لم تواجه أي من هذه البنوك عواقب تُذكر لعدم امتثالها للقانون.
سيعود النمو، وسيقوم رواد الأعمال بتأسيس شركات جديدة، وسيمولون تحملهم للمخاطر من الاستثمارات في الأسهم التي تقدمها صناديق الرأسمال المخاطر. ولقد تعلمت الشركات غير المالية الراسخة بصعوبة أنها بحاجة لتوخي الحذر فيما يتعلق بالتمويل بالاستدانة والاحتفاظ باحتياطات نقدية ضحمة. إنها البنوك الكبرى هي التي تواصل تفضيل اعتمادها على الاستدانة المفرطة، ويذعن لها كثير من صناع السياسة. وهذا يعني، شئنا أو أبينا، أننا على وشك الانزلاق إلى جولة أخرى عسيرة في الرحلة الوحشية للاقتصاد العالمي.

كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي