علي المطاعني يكتب: هذه السلبية تؤثر على الاستثمار

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٣١/ديسمبر/٢٠٢٥ ١٧:١١ م
علي المطاعني يكتب: هذه السلبية تؤثر على الاستثمار

لا شك أن ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي من صخب وهرج ومرج، مقترناً بحالات هلع وفزع وسخط، بات واضحاً في طول الشارع وعرضه، ويحدث ذلك كلما خطت الدولة خطوة في اتجاه عقد اتفاقات أو إقامة شراكات اقتصادية مع أطراف خارجية؛ تأكيداً على أننا جزء فاعل في المنظومة العالمية وفي كنف قريتنا الكونية الصغيرة.

هذه الظاهرة باتت في حاجة ماسة إلى الدراسة، ومن ثم الضبط والمحاسبة، فلا يمكن ولا يُعقل أن تمضي الجهود الهادفة والرامية إلى التنويع الاقتصادي في البلاد وجذب الاستثمارات قدماً إلى الأمام وسط هذا التشويش ووسط هذا الغبار، المقصود منه وغير المقصود.

هكذا واقع، وهكذا ضجيج له تأثيرات سالبة حتماً على نفسيات المستثمرين في الداخل والخارج، وبالتالي وبالمنطق لا ينبغي علينا ترك الحابل على الغارب بهذا النحو؛ فهم يصورون هذه الخطوات المباركة ككارثة كونية أطبقت علينا، وبالتالي بثّ ورفع وتيرة الهلع والخوف لدى كل راغب في القدوم إلينا كمستثمر جاد. وهم حتماً يستغلون الحريات الإعلامية المتاحة على مصراعيها، ويمضون في فرد عضلاتهم الهوائية في الفضاءات الإلكترونية الكونية، موقنين بألا أحد قادر على وخز هذه العضلات ولو بدبوس.

ولعل ما تابعناه جميعاً من جدل بيزنطي كامل النصاب إبان توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع جمهورية الهند، كأحد الأمثلة، شكّل رأياً عاماً مضاداً لتوقيع الاتفاقية، وبالتالي أثّر على الكثير من المستثمرين، القدامى منهم والجدد، وشكك في الجهود المبذولة والقنوات المخولة التي مرت بها الاتفاقية، كمجلس الشورى وقبل ذلك الحكومة، ومن خلال أكثر من 17 جهة درست وتدارست بنود الاتفاقية على مدى عامين من الزمان، بكل تفاصيلها وحيثياتها، بخلاف الاتفاقيات المماثلة التي تُدرس عبر شهور طويلة بيننا والدول الصديقة والشقيقة، والتي تُوقّع بدون ضجيج، غير أنه في هذه الاتفاقية انبرى البعض لها زاعماً بأنه أكثر كفاءة وحرصاً من الحكومة ذاتها في هذا الشأن الجلل، للأسف.

فهذه الأجواء المشحونة، وتزايد الانتقادات السوداء لأي توجه حكومي في هذا الصدد، وعدم التفاعل الإيجابي مع التوجهات الحكومية الهادفة لتحقيق المزيد من الرخاء لفائدة البلاد والعباد، ظاهرة تحتاج معالجة جذرية من خلال العديد من الأطر والتشريعات التي تضبط الحديث والتشهير والإضرار بالمصالح الوطنية والاقتصادية على وجه الدقة والتحديد.

ما نشهده لدينا يتعاكس تماماً مع ما نراه في الدول المجاورة على الأقل؛ فهناك مثلا نرى تفاعلاً إيجابياً مع التوجهات، وثقة في جهود الدولة الرامية لتحقيق الرخاء لمواطنيها.

وعليه نذهب إلى الاعتقاد بأن التفاعل السلبي على وسائل التواصل الاجتماعي يحتاج إلى ضوابط أكثر دقة وصرامة، من خلال تسجيل كل الحسابات الشخصية التي تزيد على عشرة آلاف متابع، لأنها أصبحت تشكل منصات عامة تهدم ولا تبني، وترخيصها سنوياً، والرقابة عليها أَمست فرضَ عين، كما هو معمول به في الكثير من الدول التي تضبط إيقاع الحسابات. بجانب إصدار تشريعات واضحة تقنن الخوض في الشأن العام عبر التجني، وإثارة الشكوك والتقليل من شأن الجهود الخيّرة المبذولة بإثارة المغالطات التي لا أساس لها من الصحة أصلاً. 

بدون ذلك فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، سوف تتزايد معها هذه الموجات اللامنطقية.

إننا نؤمن بأن النقد البنّاء، الذي يُصلح ولا يهدم، ويبني ولا يحطم، والذي تتبناه وسائل الإعلام الملتزمة بنصوص قانون المطبوعات والنشر، هو ما نحتاجه وبشدة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الوطن، وبالتالي يتعين على وسائل التواصل الاجتماعي الالتحاق بهذا الإجماع الوطني النظيف والخالي من الشوائب والأدران الضارة بمصلحة الوطن والمواطن.

ربما الدولة لم تتحدث، وتركت الأمور تمضي بغير تعليق حتى تتضح الصورة القاتمة للمجتمع كاملة، ويتبين للجميع حجم الضرر الذي شكله هؤلاء على المصلحة العامة من خلال حسابات لأشخاص ركبوا الموجة بغير علم، وربما بإيعاز من جهة ما، غير أنه، واليوم، أمسى الجميع على قناعة بضرورة ضبط هذه الجوانب، وباعتبار أن مصلحة الوطن العليا هي حتماً فوق أي اعتبار كان.

نأمل أن نبدأ، جميعاً، في ضبط الإيقاع الإعلامي، وبنحو يحقق الأهداف الوطنية، ويؤسس لتعاطٍ مسؤول في وسائل التواصل لا يؤثر سلباً على جهود الدولة الرامية إلى تنويع مصادر الدخل عبر إيجاد شراكات واتفاقيات مع دول العالم، نحقق عبرها مبدأ عالمية اقتصادنا الوطني، وقدرته على التعاطي الإيجابي وبالندية المطلوبة مع كل دول العالم، كبيرها قبل صغيرها.