
في لحظة مشتعلة من كأس العرب، وبين ضجيج منصات تصرخ أكثر مما تفكر، وبين أصوات تبحث عن العناوين لا عن الحقيقة..خرج الكابتن علي البوسعيدي كابتن منتخبنا الوطني بتصريح لم يكن مجرد رأي لاعب معتزل، بل قنبلة وعي فجّرت حالة الإعلام الرياضي العماني، وكشفت ما يختبئ خلف أصواتٍ تتحدث كثيرًا..وتفهم قليلًا.
تصريح جاء من رجل يعرف الميدان، عاش ضغط البطولة، عرف غرف الملابس، وعرف كيف يمكن لكلمة واحدة — غير محسوبة — أن تحطم لاعبًا أو تنهض بمنتخب كامل.
١) الاعتزال..مقدمة للتصريح الأهم..
علي البوسعيدي اختار توقيتًا حساسًا للإعلان عن اعتزاله، لكن الأهم من الاعتزال نفسه كان التصريح الذي قدّمه.
تصريح ليس عابرًا، وليس عاطفيًا، بل صادر من لاعب خبرة قضى سنوات في المنتخب ويعرف تفاصيل الضغط الذهني، ويعرف معنى أن يقاتل لاعب في الملعب وخارجه في الوقت ذاته.
لم يتحدث عن نفسه، بل تحدث عن البيئة الكروية والرياضية، عن التأثير الإعلامي، وعن الفجوة بين النقد والبناء.
وتلك ليست جرأة..بل مسؤولية.
٢) نقد الإعلام.. لكن بلغة من يفقه الواقع..
عندما قال البوسعيدي إن بعض الطرح الإعلامي “لا يراعي الأسرة والمجتمع” فهو لم يكن يدافع عن لاعب معيّن، بل كان يصف نظرية علمية يعرفها خبراء علم النفس الرياضي حول “تأثير الرسائل السلبية على الأداء”.
الدراسات الحديثة — من الفيفا، ويويفا، ومراكز علم النفس الرياضي — تؤكد أن:
• الضغط الإعلامي غير المنضبط يقلّل من مستوى التركيز بنسبة تصل إلى 40%.
• الانتقاد السلبي الجماعي يزيد التوتر ويؤثر مباشرة على اتخاذ القرار داخل الملعب.
• السوشال ميديا أصبحت أقوى مؤثر نفسي على الرياضيين تحت سن 30.
هذا ما قاله البوسعيدي..ولكن بلغتنا المحلية:
“كلمة الإعلام اليوم توصل أسرع من أي كرة تُسجَّل في المرمى.” فكونوا حذرين..!!
٣) المنتخب يمر بمرحلة انتقالية.. لكن البعض يتصرف وكأنه يلعب “بلايستيشن”
تحدث الكابتن الجرئ علي البوسعيدي عن التغيير الفني والإداري والإحلال داخل المنتخب.
وهو محق؛ فالفيفا والاتحادات العالمية تعتبر “مرحلة الإحلال” أخطر مرحلة في بناء أي منتخب، لأنها تحتاج:
• استقرارًا
• دعمًا
• رؤية مشتركة
• وصبرًا إعلاميًا وجماهيريًا
لكن ما يحدث عندنا؟
بدل أن تُمنح المرحلة بيئة مستقرة..تتعرض لهجمات إعلامية شعبوية لا تعرف أساسيات “منهج بناء المنتخبات”.
من يريد منتخبًا قويًا لا يمكن أن يحاربه في وقت التأسيس.
تمامًا كما قال المثل: “لا تُطالب الشجرة بالثمار وهي ما زالت تُزرع.”
٤) درس للإعلاميين.. ودرسة يجب أن تُدرّس..
رسالة الكابتن علي البوسعيدي للإعلاميين لم تكن هجومًا، بل كانت درسًا تربويًا:
• الإعلامي الناقد
• الإعلامي المصور
• الإعلامي المحلل
كلهم جزء من تشكيل “الرأي العام الرياضي”.
لكن عندما يتحول الطرح من نقد بنّاء إلى سوداوية شعبوية..فإن الضرر يصبح مضاعفًا:
❌ يهبط مستوى اللاعبين
❌ يفقد الجمهور الثقة
❌ تتراجع قيمة المحتوى
❌ ويضيع المشروع الفني
الإعلام الحقيقي لا يسأل: “من أخطأ؟” فقط
بل يسأل: “كيف نبني؟ وكيف نتعلم؟ وكيف نتطور؟”
٥) رسالة للاعبين القدامى..أصحاب التأثير الحقيقي
ما قاله الكابتن علي البوسعيدي هنا كان الأهم:
اللاعبون القدامى الذين تحولوا إلى محللين يعرفون ضغط البطولات، يعرفون كيف تتغير غرفة الملابس بعد كل كلمة، يعرفون أن المنتخب ليس قناة للترند..بل مشروع وطن.
هؤلاء عليهم مسؤولية عظيمة:
رفع المعنويات، دعم اللاعبين، تقديم رؤية فنية، حماية المنتخب من الضجيج.
هم ليسوا “متفرجين”..هم جزء من هوية المنتخب.
٦) الجماهير..سلاح يرفع المنتخب أو يهدمه..
الجمهور العُماني في السوشال ميديا أصبح شريكًا في صناعة المناخ النفسي للمنتخب.
ما يكتبونه يصل للاعبين، لعائلاتهم، لأبنائهم، لبيوتهم.
وهذا ما قاله البوسعيدي بوضوح:
“أنتم جزء من أسَر اللاعبين.”
في الدول المتقدمة كرويًا — فرنسا، إنجلترا، اليابان — توجد حملات رسمية لمكافحة “الإساءة الإلكترونية للاعبين” لأنها تؤثر على الأداء والهوية الكروية.
فكيف نريد منتخبًا محترفًا..بينما نمارس ضده ضغطًا يعيق احترافه؟
٧) الجانب الإيجابي..الذي لا يراه سوى العارفين..
الكابتن علي البوسعيدي ذكّر بأن الاحتراف الخارجي للاعبينا — في العراق، تايلاند وغيرها — ليس تفصيلة صغيرة.
هذه خطوة حقيقية نحو الاحترافية التي تبنى عليها المنتخبات الحديثة.
لكن الخطوات الإيجابية لا تنتشر..لأن السوشال ميديا تحب “الصوت الأعلى”، وليس “المنطق الأصح”.
لماذا تصريح البوسعيدي مهم..؟
لأن الكابتن علي البوسعيدي لم يتحدث كلاعب..بل كمنظّر كروي يعرف قيمة البيئة، ويفهم علم النفس الرياضي، ويقرأ المنظومة العالمية.
تصريحه ليس رد فعل..بل وثيقة وعي كشفت الحقيقة:
مشكلتنا ليست في المنتخب..بل في الضجيج الذي يحيط به.
والمنتخبات لا تبنى بالصراخ..بل بالهدوء، بالعلم، وبفهم أن كرة القدم مشروع وطني يحتاج دعمًا لا تهشيمًا.