سالم الحبسي يكتب: ضجيج بلا بصيرة.. لماذا نجلد منتخبنا.. ونصفّق لغيرنا..؟!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٩/ديسمبر/٢٠٢٥ ١٦:٢٨ م
سالم الحبسي يكتب: ضجيج بلا بصيرة.. لماذا نجلد منتخبنا.. ونصفّق لغيرنا..؟!
سالم الحبسي - الناقد الرياضي

بالحبر السري..

في الوقت الذي تتعامل فيه منتخبات عربية كبرى — منتخب قطر المستضيف والمتأهل لكأس العالم وبطل آسيا، ومنتخب تونس بخبرته العالمية — مع الخروج من كأس العرب بهدوء، وتحليل منطقي، ورؤية عقلانية..نجد أنفسنا أمام موجة صراخ إلكتروني لا علاقة لها بالنقد ولا بكرة القدم.

كأن بعض الأصوات جاءت لتفرض الضجيج فرضًا، لا لقول الحقيقة، بل لاقتناص اللحظة وصناعة المحتوى على حساب منتخب أظهر رجولة وقتالًا وشخصية جديدة في خمس مباريات فقط تحت قيادة كيروش.

في نسخة كأس العرب الأخيرة، شاهدنا كيف خرج منتخب قطر — المستضيف، بطل آسيا، وصاحب التجربة العالمية — ووصيف كأس العرب ٢٠٢١ من البطولة دون أن نرى هجومًا يطال اللاعبين أو الجهاز الفني أو المنتخب. 

تحدث الجميع هناك بعقل، بنقد بنّاء، بحوار هادئ، لأنهم يعرفون أن كرة القدم مشروع طويل، وليست انفجارًا لحظيًا يمكن الحكم عليه بردود فعل انفعالية.

الأمر ذاته حدث في تونس. منتخب شارك في عدة نسخ كأس عالم، يملك تاريخًا كبيرًا، خرج من كأس العرب..ولم نسمع نياحًا ولا صراخًا. فقط تحليل عقلاني، احترام للمجهود، واعتراف بأن كل مشروع كروي يمر بمحطات نجاح وإخفاق.

لكن، هنا..حيث حقق منتخبنا الوطني ٤ نقاط من فوز وتعادل أمام المغرب — أحد المنتخبات الأكثر انسجامًا في البطولة — وقدّم أداءً رجوليًا، وقاتل أمام السعودية رغم الخسارة..نجد أصواتًا تخرج من كل زاوية لا تبحث عن الحقيقة، بل عن الضجة.

أصوات لا تعرف مفهوم النقد، ولا تختلف كثيرًا عن من يضرب طبولًا فارغة؛ صاخبة جدًا..لكنها بلا مضمون.

ماذا قدم كيروش.؟؟

خلال ٥ مباريات رسمية فقط، فعل كيروش ما يشبه وضع حجر الأساس الحديث لمنتخب جديد.

كوّن شكلًا مختلفًا للمنتخب — انضباط، تنظيم، عقل تكتيكي، روح قتال — وهي ملامح لم تظهر بالصدفة. مثل المثل العربي:

“ما بُني على العجل… انهار مع أول ريح.”

كيروش لم يعجل، بل بدأ بطريقة صحيحة، بخطة تحتاج إلى وقت، إلى تراكم، إلى صبر لتثمر.. رغم انه استلم المهمة في توقيت حساس جداً..

وفي العرب يقولون أيضًا:

“من استعجل الشيء قبل أوانه..عوقب بحرمانه.”

ومن يستعجل جلد المنتخب الآن..سيحرم نفسه من رؤية التطور القادم لو اكتمل المشروع.

العبرة في التكملة..لا في القطع

البعض يتجاهل أن كيروش — كما فعل مع منتخبات مصر، وإيران، وكولومبيا — دائمًا يبدأ بخلق شخصية للفريق، ثم ينتقل إلى مرحلة النتائج الكبيرة. والمراحل لا تختصر بالصراخ، بل بالعمل والصبر.

نحن أمام منتخب يبني شيئًا جديدًا. وهو مشروع لا يحتاج منّا إلى ضجيج، بل إلى دعم، إلى نقد عاقل، وإلى فهم أن كرة القدم ليست بطولة واحدة..بل مسار طويل.

إن كان الآخرون — أصحاب التاريخ والنجاحات — يقفون خلف منتخباتهم بالنقد البنّاء..فلماذا نسمح لبعض الأصوات هنا أن تختطف المشهد بالصياح..؟

ولماذا نجلد منتخبًا يقاتل، ويُظهر شخصية جديدة، ينجح تارة ويخفق احيانا ويحتاج فقط إلى أن نكمل معه الطريق..؟

منتخبنا لا يحتاج ضجيجًا..

يحتاج بصيرة.

ويحتاج أن نفهم أن العمل بدأ..

ولا يجب أن يتوقف..