الأدلة على إصلاحات التعليم

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٢/مايو/٢٠١٦ ٠٤:٣٦ ص
الأدلة على إصلاحات التعليم

بيورن لومبورج

من المتفق عليه في مختلف أنحاء العالم تقريبا أن المزيد من التعليم أمر مفيد لأي مجتمع. ولكن تبين بالدليل أن بعض سياسات التعليم الرائجة تحقق أقل القليل، في حين قد تتمكن سياسات أخرى لا تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام عادة من إحداث فارق هائل.
فقد يبدو تقليل عدد الطلاب في حجرات الدرس وكأنه تحسن واضح؛ ولكن لم يَثبُت أن هذا في حد ذاته قد يساهم في تعزيز الأداء التعليمي. وعلى نحو مماثل، يبدو تمديد اليوم المدرسي وسيلة سهلة لضمان زيادة تحصيل التلامذة؛ ولكن الأبحاث تؤكد أن الوقت الذي يقضيه التلميذ في المدرسة أقل كثيرا في الأهمية مما يحدث هناك فعليا.
ويسلط بحث جديد أجري لصالح مركز إجماع كوبنهاجن، وهو المركز البحثي الذي أتولى إدارته، الضوء على حقيقة منافية للبديهة مفادها أن تجهيز الفصول بكتب مدرسية أو أجهزة كمبيوتر إضافية ليس الحل التعليمي الخارق. كجزء من مشروع يسعى إلى التوصل إلى أذكى الاختيارات السياسية لبنجلاديش، يسوق أتونو رباني من جامعة دكا من الأدلة ما يؤكد أن التدريس بمساعدة التكنولوجيا يفضي إلى نتائج مختلطة. فقد أسفر تزويد التلاميذ بأجهزة الكمبيوتر عن إحداث بعض التأثير في الهند، ولكن التأثير في كولومبيا كان ضئيلا. وفي الولايات المتحدة، كان إدخال أجهزة الكمبيوتر ضارا عندما لم يكن مدعوما بإشراف الوالدين وتوجيه المعلمين.
وتدعم هذه النتيجة دراسة حديثة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي كشفت أن العقد الفائت لم يشهد أي "تحسن ملحوظ" في تحصيل الطلاب في الدول الغنية الأكثر استثمارا في التكنولوجيا في مجال التعليم.
وما يثير الدهشة أن نفس الأمر صحيح عندما يتعلق الأمر بأشكال التحسن الأساسية في التعليم المدرسي التقليدي مثل توفير الكتب المدرسية الإضافية وبناء المكتبات. ففي تقييم مدى أهمية البحث لصناع السياسات في بنجلاديش، لم يجد رباني سوى دراسة واحدة فقط تشير إلى أن الكتب المدرسية الإضافية عملت بشكل مؤكد على تحسين درجات الاختبارات ــ ولم يستفد منها سوى الطلاب المتفوقين.
الواقع أن المشاريع العصرية مثل تزويد التلاميذ بأجهزة الكمبيوتر المحمولة تجتذب قدرا كبيرا من الدعم المالي، ولكن الإنفاق في هذا المجال ليس مجديا بالقدر الأمثل دائما. الواقع أن بيرو، التي حصلت على ثلث كل أجهزة الكمبيوتر المحمولة التي تقدمها منظمة "جهاز كمبيوتر محمول واحد لكل طفل"، استضافت التجربة العشوائية المضبوطة الأولى لاختبار ما إذا كان الأطفال الذين لديهم أجهزة كمبيوتر أفضل أداء من أولئك الذين ليس لديهم. والحكم؟ "لم يحدث أي تأثير على التحصيل الدراسي أو المهارات الإدراكية والمعرفية". بل إن المعلمين أفادوا بأن الأطفال الذين حصلوا على أجهزة الكمبيوتر المحمولة كانوا أقل ميلا بشكل كبير إلى بذل الجهد في المدرسة.
كيف قد يتمكن صانعو السياسات إذن من تحقيق القدر الأعظم من الاستفادة؟ تشير دراسة رائدة من جامايكا إلى أن التدخلات في مرحلة الطفولة المبكرة من الممكن أن تُحدِث فارقا هائلا.
ركزت هذه الدراسة في جامايكا على الأطفال الذين يعانون من التقزم، أو سوء التغذية المزمن، الذي أثَّر على 171 مليون طفل على مستوى العالَم في 2010. يبدأ التقزم قبل الولادة ويرجع إلى سوء تغذية الأمهات ونوعية الطعام الذي يستهلكنه، جنبا إلى جنب مع أشكال العدوى المتكررة. وقد تشمل التأثيرات التي تدوم مدى الحياة تأخر النمو الإدراكي، وانخفاض الإنتاجية، وزيادة التعرض لأمراض معينة.
في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، كان العاملون في مجال الخدمة الاجتماعية يزورون الأطفال المتقزمين في منازلهم لمدة ساعة كل أسبوع طوال عامين، فيعكفون على تعليم أمهاتهم كيف يلاعبن أطفالهن لتشجيع تطورهم. في مستهل الأمر، كان هؤلاء الأطفال متأخرين خلف أقرانهم في كل اختبارات التطور. ولكن بعد الزيارات على مدار عامين، تحسن تطور الأطفال. وعندما عاد الباحثون بعد عشرين عاما، كانت النتائج مذهلة. فكان الأطفال المتقزمون يكسبون قدر ما يكسبه أقرانهم. أما الأطفال المتقزمون الذين لم يشاركوا في البرنامج فكان كسبهم أقل بنحو 25%.
في بنجلاديش، يعاني ستة ملايين طفل من التقزم ــ أربعة بين كل عشرة أطفال تحت سن خمس سنوات، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ نحو 25%.
إن إنشاء مراكز التعليم لمرحلة الطفولة المبكرة في بنجلاديش من الممكن أن يحول حياة البشر بتكلفة تبلغ نحو 300 دولار لكل طالب. واستنادا إلى الدراسة في جامايكا، فإن تحسن الدخل سوف يعادل نحو عشرة آلاف دولار على مدار حياة كل طفل. وفي دولة حيث نصيب الفرد في الدخل أعلى قليلا من 1000 دولار، فإن هذه تُعَد زيادة كبيرة. وكل دولار يُنفَق من شأنه أن يساعد الأطفال المحرومين في أن يصبحوا أكثر إنتاجية بنحو 35 دولارا.
ويتمثل نهج تعليمي واعد آخر في "التقسيم حسب المستويات"، حيث يتم توزيع الطلاب على مجموعات وفقا لمستوياتهم التعليمية. وقد يثير هذا بعض الجدال بسبب تهميشه المتصور للطلاب من ذوي التحصيل المنخفض. ولكن هناك إدراك متزايد لقدرة المعلمين على تركيز جهودهم بشكل أفضل عندما تكون الفجوة أصغر بين أدنى الأطفال وأعلاهم أداء في حجرة الدرس.
في الهند وكينيا، نجح هذا النهج في زيادة درجات الاختبارات. وتشير التقديرات في بنجلاديش إلى أن إنفاق 100 دولار على تقسيم الطلاب (وربما استئجار بعض المعلمين الإضافيين) من شأنه أن يزيد من الدرجات بما يقرب من انحرافين معياريين. واستنادا إلى دراسات أخرى، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة المكاسب السنوية في المستقبل بما قد يصل إلى 8%. وهو عائد استثماري عظيم: فكل دولار ينفق من شأنه أن يحقق فوائد اجتماعية بقيمة 12 دولارا.
تتلخص الدروس الحقيقية المستفادة من هذا البحث، سواء في بنجلاديش أو غيرها، في ضرورة التطلع إلى ما هو أبعد من سياسات الماضي الشائعة مثل إضافة التكنولوجيا إلى حجرة الدرس. فالمفتاح إلى تحقيق التقدم التعليمي هو التركيز على التدخلات المدعومة بأدلة علمية جديرة بالثقة ويمكن التعويل عليها.

مدير مركز إجماع كوبنهاجن، وأستاذ زائر في كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال.