الضريبة على القيمة المضافة: حلٌّ جذريٌّ لتأمين الإيرادات للدول الخليجية

مؤشر الأحد ١٧/يناير/٢٠١٦ ٢٢:٥٠ م
الضريبة على القيمة المضافة: حلٌّ جذريٌّ لتأمين الإيرادات للدول الخليجية

مسقط -ش

انتهى زمن التساهل، والانخفاض الكارثي لأسعار النفط عالمياً يفرض إصلاحات اقتصادية لا مفر منها، ولم يعد أمام الدول النفطية من خيار إلا المضي في تخفيض الإنفاق إلى حدوده الدنيا والبحث عن مصادر جديدة للدخل لا تتأثر بأي تغيير في أسعار النفط. البداية كانت مع تحرير أسعار الوقود، والآن تضع دول الخليج، ومن بينها السلطنة، اللمسات الأخيرة على قوانين الضريبة على القيمة المضافة ليبدأ تطبيقها في العام 2018 بحسب ما رشح عن اجتماع ضم وكلاء وزارات المالية في الدول الخليجية في أبوظبي.

وتعتبر الإصلاحات الضريبية في أي من دول العالم، أساسية لتنويع الدخل وتأمين مصادر شبه ثابتة، أي في الإمكان توقعها، وهي مصادر متحررة من العوامل الخارجية وتعتمد على نمو الاقتصاد المحلي فحسب، ومن هذه الضرائب تلك التي تفرض على الدخل وتقتطع من الرواتب أو الحوالات المصرفية، وثمة ضرائب تقتطع كبديل من الخدمات التي تقدمها الدولة كتسجيل السيارات والمنازل والعقود وغيرها من الضرائب التي تصنف كضرائب مباشرة، وثمة نوع آخر من الضرائب غير المباشرة التي تفرض على جميع المستهلكين على السواء، كالضرائب على المواد الاستهلاكية والمنتجات فتدخل الضرائب في تسعيرة المنتج من دون أن يلحظها المواطن أو يدرك قيمتها الحقيقية، أما الضريبة على القيمة المضافة فهي ضريبة مركبة، يدخل جزء منها في الضرائب غير المباشرة، فيما يدفع المستهلك الأخير للسلعة أو الخدمة الخاضعة لهذه الضريبة جزءاً.

وسميت الضريبة على القيمة المضافة بهذه التسمية نظراً لطبيعتها، فالمقصود بقيمة المضافة، الفارق بين تكلفة إنتاج أو استيراد المنتج وسعر البيع، فتفرض الضريبة على هذا الجزء أساساً، ومما يميز هذه الضريبة أنها تقتطع مرات عدة من المنتج نفسه، فعندما تصنع شركة أو تستورد سلعة ما، فهي تبيعها بالسعر الأساسي مع الربح، فتقتطع الضريبة من الربح الأخير، وعندما تنتقل السلعة إلى الموزع ويبيعها بسعر جديد تقتطع الضريبة من جديد على الفارق في السعر، وهكذا دواليك حتى تصل السلعة إلى المستهلك الأخير. وتدرس الآن الإجراءات المرافقة لكي لا تؤثر الضريبة هذه على القوة التنافسية للاقتصاد الوطني، فهي تخضع لمبدأ المحلية أي أن العمليات التجارية التي تحصل خارج الحدود لا تخضع لهذه الضريبة، وفي إمكان المستهلك الأجنبي الراغب في التسوق داخل الدول أن يسترد قيمة الضرائب على المطار، لدى خروجه من البلاد، كما أنها تخضع للمنتجات المستوردة لا المصدرة، إذ تعفى عمليات التصدير منها. وليتم تطبيق هذه الضريبة يجب وضع أسس للتنسيق بين إدارات الجمارك ووزارات المال، وعادة ما تلجأ الحكومات إلى تخفيض الرسوم الجمركية تدريجياً على السلع المستوردة منعاً لحصول أي تضخم، وتجنباً للازدواجية الضريبية. وبهذا تعتبر الضريبة على القيمة المضافة من أكثر الضرائب المؤمنة للإيرادات بالنسبة للدول، وثمة اقتصادات كاملة تعتمد على هذه الضريبة كمصدر أساسي للإيرادات. ومن المفترض أن يبدأ تطبيق هذه الضريبة في دول الخليج بعد عامين، على أن تكون قيمتها 5 في المئة، وهي قيمة تعتبر منخفضة مقارنة بمعظم دول العالم حيث تصل الضريبة إلى حد 25 في المئة في دول مثل الدنمارك والسويد، و19 في المئة في كل من فرنسا وإيطاليا و19 في المئة في ألمانيا، أما حدها الأدنى فهو 10 في المئة كما هو الحال في لبنان وكوريا الجنوبية وبعض الولايات الأمريكية.
لذلك تبدو قيمة الضريبة التي تتجه دول الخليج إلى إقرارها في حدودها الدنيا، لكن هذا لا يمنع أن قيمتها مع السنوات لا سيما إذا استمر تدهور أسعار النفط وبرزت الحاجة إلى زيادة الإيرادات.
وتحرص الدول الخليجية بحسب ما تم إعلانه حتى الآن على ألا تؤثر تلك الضريبة على المواد والخدمات الأساسية للمواطنين، إذ إن الاتجاه هو نحو إعفاء قطاعات التعليم منها، وكذلك بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية، وبالتالي هي تخضع للكماليات والخدمات الترفيهية والسياحية كالمطاعم وصالات السينما والفنادق، فضلاً عن المنتجات غير الغذائية كالمفروشات والأدوات الكهربائية وغيرها من السلع. ومن الطبيعي أن تؤدي هذه الضريبة إلى ارتفاع في الأسعار، لا سيما السلع التي تخضع لهذه الضريبة، غير أن هذا الارتفاع قد يكون في حدوده الدنيا مع بعض السلع المستوردة التي تؤثر أسعار النفط في إنتاجها ونقلها، إذ ستهبط تكلفة استيرادها مع هبوط النفط والفارق في العملات، وكذلك ستستفيد من تخفيض الرسوم الجمركية، بينما ستتأثر بشكل الأكبر الخدمات لأنها لا تستفيد من أي إعفاءات جمركية أو تخفيض لتكلفة الإنتاج.
لكن من ناحية ثانية فإن فرض هذه الضريبة ستمنح مناعة أكبر للاقتصاد وتؤثر بشكل إيجابي في مؤشر ثقة المستهلك، وتؤمن للدول إيرادات بالملايين من شأن استثمارها أن يحسن الدورة الاقتصادية ويحد من معدلات البطالة، ويخفف العجز الاقتصادي. أما إذا عادت أسعار النفط وارتفعت عالمياً فإن من شأن ذلك أن يحقق فائضاً في الإيرادات.

لذلك تبرز الضريبة على القيمة المضافة كإجراء لا مفر من القيام به، بل يعتبر ضرورياً لتستطيع الدول أن تبني ميزانياتها المتحررة من النفط وأسعاره، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح لبناء اقتصاد سليم ومستقر.