محمد محمود عثمان: المستثمرون والاستثمارات.. والتحديات

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٢/نوفمبر/٢٠٢٥ ١٧:٣٢ م
محمد محمود عثمان: المستثمرون والاستثمارات.. والتحديات

تحديات كبيرة وكثيرة تواجه القطاعات الاقتصادية التقليدية بخطواتها البطيئة المتعثرة التي تتقدم للخلف أسرع من الأمام ومن ثم تمثل عبئا ثقيلا على الاقتصادات ، لأنها لا تضيف جديدا يمكن البناء عليه للقضاء على المشكلات الآنية والمستقبلية والمتجددة وأهمها و اخطرها معضلات نقص الاستثمارات وهروب المستثمرين وضعف التمويلات البنكية وانعدام فرص العمل والوظائف الجديدة ،و تفاقم أعداد بالمسرحين والمستغنى عنهم

أضف إلى ذلك التحديات الإدارية والإجراءات الروتينية التي تعرقل انسياب العمل وتُشل تماما أداء المنظومة الاقتصادية على المدى البعيد ، وهى من الظواهر الدائمة التي تمثل واقع وتحديات ومعوقات الاستثمار في الوطن العربي، حيث تظهر أمامها وخلفها الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها اقتصاديات بعض الدول ، التي تبدو في صعوبات وعجوزات متراكمة في الميزانيات ، وزيادات تراكمية في الديون والقروض ومبالغ خدمة الدين الأمر الذي يهدد خططها التنموية في رؤيتها المستقبلية وفي تناولها لشعارات التنوع الاقتصادي، والذي جعلها تلهث يمينا، وتهرول يسارا للحصول على الاستثمارات الأجنبية ، ومن ثم توقيع عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وإنشاء الشركات الاستثمارية المشتركة وهي محاولات قد تنجح بنسب ضئيلة جدا في إنقاذ الاقتصادات الضعيفة، ومع التسليم بكل ذلك ، إلا أن أكبر الإشكاليات والتحديات الحقيقية تكمن في التنفيذ والصعوبات والإجراءات التطبيقية التي تقيده ،و التي تعبر عن المناخ والبيئة الاستثمارية، القادرة على مواجهة التحديات والتغلب عليها ،لأن الرؤية قد تكون تصحيحية إلا أن مشكلتها الأساسية تنفيذية في المقام الأول، لأننا نشهد الكثير من القرارات التي تفقد أهميتها بسبب التأخير في التنفيذ أو سوء التنفيذ أو الأثنين معا، وحتى لم ينج من ذلك القرارات الخاصة بإنشاء محاكم جديدة متخصصة في الاستثمار أو مراكز للتحكيم التجاري لتسهم في تعزيز البيئة والمناخ الاستثماري ، ولكنها بذلك تضيف عبئا آخر على الاستثمار والمستثمرين ،وقد أدي ذلك لتعطل أعمال الشركات الاستثمارية الأجنبية بل والمحلية أيضا ،التي تكبدت خسائر بدلا من الأرباح ،لأسباب متعددة أهمها عدم قدرتها على تنفيذ المشروعات التي حصلت على تراخيص لها من السلطات المختصة وتعطلت لعدة سنوات على الرغم من تحملها التكاليف التشغيلية والإيجارات والمرتبات بالإضافة إلى عبء الديون والاقتراض، وتأخير الحكم في المنازعات الذي أدى إلى تحول بعضهم من مستثمرين إلى متهمين لعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم الإنتاجية والتصديرية أو سداد أقساط القروض للبنوك التي تطاردهم قضائيا

ولا شك أن ذلك يشكل أزمة حقيقية تؤدي إلى هروب المستثمرين والاستثمارات الجادة والجديدة، التي يجب أن نحرص على جذبا ، حتى تسهم في إيجاد قيمة مضافة لمختلف القطاعات ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تسهيل جذب رؤوس الأموال، والخبرات وتوطين الخبرات والتقنيات والتكنولوجيا الحديثة، واعتبار ذلك خيارا حتميا بل ضرورة استراتيجية لا يمكن أن نحيد عنها، أو نتأخر في تنفيذها

لتلبي تطلعات المستثمرين وتحمي أنشطتهم وتساعدهم على سرعة تنفيذ مشروعاتهم أو عدم توقفها ، بسبب سيطرة الروتين والعقليات الإدارية التقليدية في الدولة العميقة ، التي لم تستطع استيعاب سرعة التحولات التنظيمية والتشريعية والرقمية ،التي تضمن للمستثمر سلامة وانضباط التنفيذ، وتفادي تضارب المصالح أو القرارات مع السلطات المحلية ، التي قد تكون من أكبر المعوقات أمام الاستثمارات والتي تتسبب في خسائرها أو هروبها، لأن المستثمرين ورؤوس الأموال هدفهم تحقيق الأرباح في أي مكان يسمح لها بذلك ، لأنه لا يوجد مستثمر سيعمل في مشروعات أو استثمارات خاسرة

وهذا يدعونا إلى ضرورة وجود نظام للمتابعة لمشاكل المستثمرين ميدانيا في مواقع العمل والإنتاج وعدم الانتظار حتى يصرخوا بالشكوى بعد الخسائر والتعثر الذي يلاحقهم أو يهدد مشروعاتهم الاستثمارية، ويعطي رسائل سلبية للمستثمرين في الخارج ، بما يدعم قناعات هروب الاستثمارات والمستثمرين، وهو واقع لا يمكن تجاهله أو أن ندفن رؤوسنا في الرمال، متجاهلين ذلك ،خاصة إذا ظلت وزارات التجارة والصناعة والاقتصاد واللجان المتخصصة في غرف التجارة والصناعة وأجهزة الاستثمار والترويج والمراقب غائبة أو تغرد خارج السرب أو تعمل بدون تنسيق مشترك لموجهة هذه التحديات التي تواجه الاستثمار الأجنبي على أرض الواقع، وهى تحت يدها ملفات الاستثمار، ولها الحق في متابعتها وتقييمها من منطلق الحرص على القضاء على الفساد الإداري إذا وجد ، لأنه من أكثر العوامل التي تعوق تقدم وازدهار الاستثمارات

خاصة أن مواجهة إشكاليات ومعوقات المستثمر الأجنبي ،من أُولى أولويات الحكومة المركزية والسلطات المحلية ، ولنتذكر دائما مقولة أن "الاستثمارات.. هي المشكلة والحل" لدعم الاقتصادات الحديثة.