
القطاع الخاص العربي يواجه العديد من التحديات المحلية والعالمية التي نتجت عن تقلبات الاقتصاد العالمي والمنافسة التجارية، إلى جانب الآثار الكارثية التي تعرض لها منذ وباء كورونا الذي كان صناعة بشرية متعمدة للإضرار بالاقتصادات الضعيفة والهشة والتي كان من آثرها المباشر زيادة أعداد المسرحين من شركات القطاع الخاص واستمرار مسلسل التسريح للعمال للآن، حتى في الشركات الكبرى ، ناهيك عن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي أُغلقت و تعثرت أو أفلست بعد أن سمحت لها بعض الحكومات بتسريح العمال لمواجهة أزمة وباء كورونا ،وكانت بداية النهاية لأنه بذلك لم تتعافى كما اعتقدت الإدارات الحكومية قلية الخبرة التي لم تنظر ابعد من مواقع الأقدام ولم تفكر في المستقبل ، حيث بدأت معاناة حقيقية في محاولة بناء قاعدة جديدة من الأيد العاملة المدربة بتكلفة أكبر وجهد مضاعف انعكس سلبيا على شركات القطاع الخاص
وكنت الحلقات الأسوأ هو تخفيض أجور العمال التي طبقها القطاع الخاص بعد تخيير العمال بين ذلك أو الاستغناء عنهم وفقدت بذلك الشركات الكثير من العمالة المدربة والماهرة التي فضلت الهجرة إلى أسواق أوروبا ظنا أنها أفضل حالا وانعكس ذلك على القطاع الخاص العربي الذي خسر بيده وبيد الحكومات خبرات الأيد العاملة الأجنبية الرخيصة ولم تسلم قطاعات الإعلام والصحف الخاصة من هذه المعناة المستمرة ،التي تتضح جليا في أوضاعها الاقتصادية و المالية وعجزها عن الوفاء بالأجور والمرتبات أو تخفيضها بنسب مختلفة ، مع الإستغناء عن مقالات كبار الكتاب والمحللين في السياسة والاقتصاد لعجزها عن تحمل التكلفة المالية
ولا زال بعض العاملين بها يتقاضون نصف رواتبهم حتى الآن وكذلك في شركات الدعاية و الإعلان وشركات الخدمات الإعلانية التي بدأت في التصفية والإفلاس للتخلص من التزاماتها المتراكمة للعاملين .
الأمر الذي يتطلب وقفة حاسمة للحفاظ على سوق العمل واستقراره لضمان تدفق الاستثمارات ، مع استقراء المستقبل وما قد يحمل في طياته من تحديات، حيث سيظل القطاع الخاص يعانى من هذه التبعات وهو يبحث عن وسائل النجاة وطرق الخروج من الأزمة التي فرضت على الجميع واقعا مأساويا لم نستطع القبول به أو التعايش معه بسهولة إلى الآن وربما لسنوات ، بدون أن تلامس أفكارنا تحولات جذرية تساعد في كيفية النجاة من هذه الورطة أو التخفيف من حدتها بقدر الاستطاعة ، لأن الحكومات وقيادات القطاع الخاص الذي هون من هذه النتائج سوف يكون أول المتضررين ، في ظل عزوف الشركات عن الاستعانة بالأيد العاملة الوطنية وإن كانت ذات خبرات ومهارات محدود أو بسيطة، بزعم أنها ستحمله تكاليف فوق طاقته وقدراته المالية ، بدون أن يدرك النتائج السلبية لذلك على المدى الطويل ، من زيادة تكدس أعداد الباحثين عن العمل وتراكم أعدادهم سنويا ، لتتفاقم المشكلة وتزداد تعقيدا لأنهم بدون خبرات أو مهارات ، مع استمرار ضغوط الحكومات على شركات القطاع الخاص بفرض الضرائب أو الرسوم وعمليات التوظيف من الأيد العاملة المحلية اعتمادا على فلسفة الكم على حساب الكيف ، ما يكبل من قدرتها على دعم التنمية الاقتصادية والتوسع في خلق وتوليد الوظائف وفرص العمل الجديدة القادرة على أن تُحدث تغيرا كبيرا في ديناميكية الأسوق، وهذه تُمثل إشكالية كبرى -لا تلتفت إليها الجهات الإدارية كثيرا – تتمثل في تراكم حجم العمال غير المدربين والتي تفتقد إلى الخبرة والمهارة أو غير المنتجين في الشركات مع زيادة تكلفتهم الاقتصادية والعجز عن زيادة القيمة المضافة للمجتمع ،وما ينتج عن ذلك من عدم قدرة القطاع الخاص على الاستمرار بخطى قوية ، لذلك نشهد يوميا المزيد من الشركات المتعثرة أو التي تعلن الإفلاس أو في الطريق وتفضل الخروج قسرا أو طوعا من السوق بأقل الخسائر، مُخلفة عمالة مُسرحة ، تضاف إلى الأيد العاملة العاطلة والمتعطلة ،وإلى جحافل الخريجين الداخلين الجدد في أسواق العمل سنويا ، ومن ثم تتراكم البطالة عاما بعد آخر، مما يدعونا للتساؤل والقلق عن مستقبل مخرجات التعليم في السنوات القادمة، وما يمثله ذلك من قنابل موقوته تهدد الأمن الاجتماعي للدول ، في ظل غياب القطاع الخاص القوي والعجز الحكومي عن المواجهة.