المقارنات ظالمة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٢/مايو/٢٠١٦ ٠٣:٢٨ ص
المقارنات ظالمة

هناك من تستهويه المقارنات بين الدول و الشعوب في الكثير من الجوانب ، رغم ان القاعدة تقول أن المقارنات بين المجتمعات بحد ذاتها ظلم ،ولا يمكن القياس عليها لاختلافات كثيرة، و تباينات عديدة بين هذه الدولة وتلك ،و منطلقات تختلف من شعب لآخر ،و الاعتبارات متباينة بين مجتمع و آخر ، و هذه من المسلمات التي يجب ان نؤمن بها في حياتنا.
يجب أن تكون لدينا القناعة التامة بأن تجارب الدول ليست نسخاً و لصق كما يقال وبتلك السهولة التي يتصورها البعض ، فما يمكن ان ينطبق على هذه الدولة قد لا ينطبق على الأخرى .
فالقرار الذي يتخذ في بلد ما ، شبيه بقرار شخصي على أكثر تقدير ،ذلك الذي يتخذه أي واحد منا في حياته الشخصية، فلا أحد ينازعه و لا يخالفه و لا هو يراعي فيه أية اعتبارات لانتفاء هذه الخاصية في مجتمعه ، في حين ذاك القرار في دولة ما يحتاج تروي و جس نبض المجتمع في الموافقة من عدمه او مراعاة لاعتبارات عدة لما قد تكون له ردود افعال متباينة و معارضة لان هناك قيم يجب ان تحترم و جوانب يجب ان تراعى ونظم يجب ألا يتجاوزها أحد .
وهناك دول اشبه بالشركات ذات الملكية الخاصة ،القرار فيها اشبه بالتصرف في مؤسسة لفرد ، هو الذي يأمر و ينهى ، لا يمكن ان ينازعه أحد و لا يعارضه بشر ، بينما في دول اخرى القرار لابد ان ياخذ مساره الصحيح في الصدور من الجهة المختصة الى الجهات المشرعة و الى الجهات المنفذة ، فالدور المؤسسي للقرار ليس تعقيدا بقدر ما هو تعبير عن غايات المجتمع عبر مؤسساته و قنواته الاساسية ، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان نقل تجربة او محاكاتها لمجرد الرغبة في ان نكون مثل الغير ، او نقارن انفسنا بالاخرين بدون النظر للكثير من الامور التي يمر من خلالها القرار في هذا المجتمع او ذاك اوظروف هذه الدولة او تلك ،فهذه الجوانب لها ضروراتها في بعض الدول ، في حين بعض الدول الأخرى غير ملزمة بتلك الدرجة.
بل ان البعض يتناقض مع نفسه ....ففي الوقت الذي يدعو فيه الى الاقتداء بهذه الدولة او تلك يعود في جانب آخر ،ويحذر ان تكون بلاده مثل تلك الدولة في هذا المجال ، اوتعاطي معين في جوانب كثيرة و يقول بعظمة لسانه ، لا نرغب ان نكون مثل الدولة الفلانية ، فكيف يمكن التوفيق بين المتناقضات المتضادات في نقل تجارب الآخرين.. ؟
لكل تجربة ايجابياتها و سلبياتها ، ولايمكن الحكم على نجاح تجربة من زاوية واحدة دون النظر لزوايا اخرى، و لا يمكن ان ننقل تجربة بحذافيرها لمجتمع لا يتوافق مع بعض المعطيات او له ظروف مغايرة عن غيره . فبعض الدول لها اولوياتها الخاصة التي قد تختلف عن دولة اخرى ، فالتنمية في دولة قد تكون مكتملة للعديد من الامور منها الفورات المالية و الثروات الوطنية لديها اكبر و التحديات لديها اقل ، وعلى العكس قد تكون هناك دولة التزاماتها كثيرة و مواردها محدودة لذا فمن الطبيعي ان تجد تبايناً لاختلاف المعطيات ، فعلى سبيل المثال ما تحتاجه لبناء مدرسة في هذه الدولة لتحديات الطبوغرافية و الديمغرافية للارض و السكان قد لاتحتاجه في دولة اخرى و الأمر ينسحب على كل الخدمات و المرافق ، ففاتورة التنمية لبناء طريق يشق هامات الجبال الشاهقة في دولة يختلف عنه شق طريق اشبه بفرش البساط في ارض مستوية كالمسطرة ، و توزع السكان في انماط عمرانية مبعثرة بين الجبال و السهول و الاودية تتباعد بين بعضها البعض مسافات اكثر كلفة في مد التنمية في منطقة لا تتجاوز كليو متر مربع ، لذا من الصعوبة قياس تجربة بأخرى لعدم تساوي المعايير .
بل أن الاعراف والإرث الإجتماعي لا يسمح في دولة و قد لا يجد أدنى معارضة في دولة اخرى ، فتقبل المجتمع لأي متغيرات في حياتهم او تجاوز معتقداته قد لا يتعاطى إيجابيا في مجتمع ، في حين في مجتمع الآخر أمر اعتيادي كجزء من حياته اليومية ، فمن الصعب ان تتجاوز تطور المجتمع ووعيه بهدف تطوير ما لم يكن جزءاً من هذا او ذاك التطوير وفاعلا فيه.
إن هذه المسلمات وغيرها هي من تجعل المقارنات ظالمة بين دولة و اخرئ ، بل غير عادلة و متناقضه بين الاستفادة من تجربث بكل ايحابياتها و تفادي سلبياتها. بالطبع ليس فينا من لا ينشد التطور و التقدم الذي هو سنة من سنن الحياة لكن في المقابل يجب ان ننطر للامور بشكل متكامل و من كافة الزوايا و ماهو ممكن وغير ممكن للدواعي الاجتماعية و التنموية والتحديات التي تصاحبها ، و ان تكون لدينا قناعات بان الكل يرغب بان يكون مجتمعه متقدماً مثل الاخرين لكن ليس على حساب جوانب اخرى ،و بدون تروي لما هو ممكن فضلا عن التدرج في العمل الذي لا يفقدنا الموءامة بين ماهو ممكن و غير ممكن.