في الوقت الذي تتزايد فيه سنويًا حالات وفاة الطلبة والطالبات داخل الحافلات المدرسية غير المزودة بأنظمة الأمن والسلامة التي تنبّه قائدي المركبات بوجود الأطفال، نجد أن هناك حافلات مدرسية عُمانية توفر تلك المتطلبات، ومزوّدة بكافة الأدوات التي تضمن سلامة الطلبة والطالبات.
الأمر الذي يتطلب إحلال هذه الحافلات في المدارس دون تأخير، كجزء من تجديد عقود النقل المدرسي، إذ لا يمكن أن نضحي بفلذات أكبادنا سنويًا أمام أعيننا نتيجة عدم توفر أبسط نظم السلامة في الحافلات المستخدمة على نطاق واسع في مدارسنا.
إنّ هذا الواقع يستدعي من وزارة التربية والتعليم إحداث نقلة نوعية في مجال إحلال الحافلات المدرسية، التي تُصنع في سلطنة عُمان وفق مواصفات عالمية، مع عدم الإصغاء للأصوات المقاومة للتغيير، والتي تعمل لمصالحها الخاصة دون أي اكتراث أو إحساس بالآخرين، بينما تتعرض حياة أطفالنا للخطر بسبب غياب أبسط أنظمة السلامة.
بلا شك، يجب أن نؤمن إيمانًا قاطعًا بأن المركبات العُمانية المُصنَّعة وفق أعلى المواصفات والمقاييس العالمية من حيث المتانة والسلامة وأنظمة المحركات وغيرها، تستحق الاعتماد الكامل. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة كروة للسيارات (Karwa Motors)، الشركة العُمانية–القطرية المشتركة، والتي تُعد أحد المشاريع الصناعية الاستراتيجية في سلطنة عُمان، والمتخصصة في تصنيع وتجميع الحافلات والمركبات التجارية الحديثة وفق أعلى المعايير العالمية، والتي تُعد منتجًا وطنيًا بامتياز، فهي – فوق كونها عُمانية – يقع مصنعها في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ويعمل على نقل المعرفة التقنية والصناعية، وتطوير سلاسل التوريد المحلية من خلال إشراك الموردين المحليين في عملية الإنتاج.
وقد بدأ المصنع التشغيل التجاري في عام 2022، ويقوم بتصنيع الحافلات وفق معايير هيئة التقييس الخليجية (GSO)، مع التركيز على كفاءة الوقود وأنظمة التكييف ووسائل الراحة المبتكرة، ومواكبة العالمية والجودة في فئتها. حصلت شركة كروة للسيارات على شهادات دولية مرموقة تعكس التزامها بالسلامة والجودة، أبرزها: معايير ISO 9001:2015 لنظام إدارة الجودة، وISO 14001:2015 لنظام الإدارة البيئية، وISO 45001:2018 لنظام إدارة الصحة والسلامة المهنية.
فهذه الشهادات تضمن تطبيق إجراءات دقيقة في جميع مراحل الإنتاج، وتوفّر بيئة عمل آمنة للموظفين والفنيين والسائقين، بما يعزز الوقاية ويحد من الحوادث. كما تطبق الشركة نظام Lean Manufacturing لتقليل الفاقد وتحقيق الكفاءة التشغيلية، إلى جانب برامج صارمة لمراقبة الجودة وفق المعايير العالمية، مما يجعل حافلاتها نموذجًا مثاليًا للنقل المدرسي الآمن والموثوق.
إنّ إحلال وسائل النقل المدرسية العُمانية الجديدة مكان القديمة يضمن توفير أعلى معايير الأمن والسلامة، وذلك لكونها مجهزة بأحدث أنظمة المراقبة والتتبّع، باعتبارها وسائل نقل آمنة ومريحة وذكية لنقل الطلبة من منازلهم إلى مدارسهم، مع تدريب سائقيها للحصول على رخصة السياقة الوقائية. وعلاوة على ذلك، توفر الشركة مزايا إضافية عديدة مثل إطالة العمر الافتراضي للخدمات المدرسية، وتوفير ضمان لصيانة الحافلات وقطع الغيار لمدة لا تقل عن عشر سنوات، مما يضمن استمرار الخدمة بأعلى كفاءة.
ومع ذلك، تلتزم الشركة العُمانية بتوفير العدد اللازم من الحافلات التي يتم التعاقد عليها مع المتعاقدين ووزارة التربية والتعليم، وتوفير الصيانة اللازمة وقطع الغيار بأسعار منافسة خلال فترة الضمان، بالإضافة إلى تدريب قائدي وسائل النقل المدرسية على دورة السياقة الوقائية في معاهد السلامة المرورية التابعة لشرطة سلطنة عُمان أو الجمعية العُمانية للطاقة (أوبال) وغيرها من المعاهد المعتمدة. ويشمل ذلك التعامل مع النظام الآلي في الحافلات المدرسية الجديدة وفقًا لاشتراطات وزارة التربية والتعليم، وتوفير مراكز صيانة وخدمة خاصة لوسائل النقل المدرسية الجديدة، لضمان سلامة الطلبة أثناء النقل واستمرارية الخدمة بكفاءة عالية. لذا، لا يجب أن نجادل في صناعة وطنية تصدّر منتجاتها إلى دول العالم التي تفرض قيودًا وشروطًا صارمة على كفاءة وقدرة المركبات على اختلافها.
وما يستدعي الفخر أن هذه المركبات العُمانية تجد إقبالا وطلبا من السوق الإقليمية ، بل والعالمية أيضا حيث تم تصدير عدد من المركبات إلى الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الاوروبية وكذلك الافريقية. كما أنها تدخل في مختلف الاستخدامات حتى العسكرية، في وقت مازلنا نصغي فيه لبعض الأصوات القديمة المنتفعة من أنظمة النقل المدرسي التي لا ترغب في إحلال هذه الحافلات.
ولا يفوتنا هنا القول إن برنامج تمويل الحافلات المدرسية الذي وقّعته وزارة التربية والتعليم وبنك التنمية بالتعاون مع شركة كروة للسيارات (الشركة العُمانية–القطرية) لإحلال الحافلات المدرسية بدون فوائد، وبعقود طويلة مع وزارة التربية والتعليم، يُعد خطوة مهمة للإسهام في إحلال الحافلات المدرسية المزوّدة بكل أنظمة الأمن والسلامة، ونظام التتبع والمراقبة للحافلة من الداخل والخارج. ولكن مع ذلك، يواجه المشروع معارضين لأمور خاصة، يحاولون صرف النظر عن نظام الإحلال، وإبقاء الوضع كما هو، مما يترتب عليه حوادث مميتة سنويًا.
إن مقاومة التغيير والتحديث أمر طبيعي من بعض المنتفعين الذين لديهم أساطيل من الحافلات المؤجرة من الباطن على سائقي المركبات، فلا يستفيدون من نظام إحلال الحافلات المدعوم من الحكومة من جانب التمويل واستمرار عقود العمل في نقل الطلاب. ومن الطبيعي أن يثيروا بعض الإشكاليات حول هذه العقود والمركبات ونظام الإحلال، لأمرٍ في نفس يعقوب كما يُقال.
وعليه، نقولها بكل وضوح: إنه لا يجب الإصغاء لمثل هذه الإشكاليات والمنتفعين، وأن نمضي قدمًا في إحلال المركبات، مدعومة بتجديد العقود لسائقي المركبات الذين لا يملكون أكثر من مركبة، لتعميم الفائدة على شرائح واسعة من المستفيدين، وليس لبعض المحتكرين لعقود الحافلات المدرسية التي يُعاد تأجيرها من الباطن؛ فقد حان الوقت لكشف مثل هذه الممارسات.
والأدهى من ذلك أن البعض بدأ يُكلِّف بتأجير من يسيء للصناعة العُمانية، بإثارة بعض الأمور غير الدقيقة والصحيحة في الجوانب الفنية، متناسين كيف أُجيزت هذه الحافلات من الجهات الأمنية المسؤولة عن كفاءتها، وكيف تُطبّق المواصفات والمقاييس الخليجية والعالمية التي تصدر بعد جولات من الاعتماد والمراقبة والمعايرة؛ فهذه صناعة سيارات وليست فقاعات، ولا يمكن لأي شخص أو شركة أو دولة التلاعب بها أو الإخلال بأنظمتها، خاصة إذا علمنا أن هذه المركبات تُصدَّر إلى دول العالم وتُصنَّع من قبل شركة تملكها سلطنة عُمان ودولة قطر الشقيقة، فلا يمكن المجاملة في أي شيء يمس صحة وسلامة الإنسان ويعرضه للخطر.
بالطبع، التطوير والتحديث للسيارات في العالم عملية مستمرة، وكل يوم نسمع وكالات السيارات العالمية وهيئة حماية المستهلك المحلية، تستدعي مركبات لإصلاح أعطال فنية أو مكابح أو غيرها، في عملية مستمرة لا تتوقف، وليست مقصورة على نوع معين من السيارات أو علامة محددة.
نأمل أن يمضي مشروع إحلال الحافلات المدرسية ويوقف نزيف حياة الأطفال في الباصات التي لا تتمتع بأنظمة الأمن والسلامة، دون مجاملة أو الانصياع لضغوط بعض المنتفعين من عقود النقل المدرسي مهما كلف ذلك، فحياة أبنائنا أهم من ضغوط البعض الذين لديهم مصالح أخرى. ونثق في الصناعة العُمانية المتينة.