علي بن راشد المطاعني يكتب: جاهزية بدء الأعمال

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/أكتوبر/٢٠٢٥ ١٨:٥٧ م
علي بن راشد المطاعني يكتب: جاهزية بدء الأعمال
علي بن راشد المطاعني

الجهود التي تبذلها سلطنة عُمان في جاهزية بيئة الأعمال كبيرة وممتدة على أكثر من صعيد ومستوى، وهناك الآن حراك قوي يهدف إلى تسريع وتيرة العمل في تأسيس الشركات واختصاره ما بين 4 إلى 5 أيام فقط في كافة المراحل، والاكتفاء بأقل الاشتراطات والإجراءات التي تتيح لصاحب العمل، سواء كان مستثمرًا محليًا أو أجنبيًا، الانطلاق في مشروعه دون اشتراط حد أدنى لرأس المال، وفي زمن وجيز؛ لتغدو البلاد وجهة استثمارية جذابة تصاحبها تحولات رقمية مبتكرة وجهود مقدرة لرفع كفاءة العمل، وإيجاد نظم تواصل واتصال سريعة وفعالة في الوصول إلى الحلول التي تهيئ الجميع لممارسة الأعمال بشكل سلس وسريع.

كل ذلك يعد تجسيدًا عمليًا لمستهدفات رؤية عُمان 2040، الأمر الذي أثمر عن تطورات إيجابية أسهمت في تحسين مؤشرات سلطنة عُمان في التصنيفات الدولية، وما يمثله ذلك من أهمية في رسم صورة واضحة للاستثمار في البلاد.

بلا شك أن الجهود المبذولة على مدى السنوات القليلة الماضية باتت واضحة للعيان، والجهات والمحطات التي تختصر المسافات أمست محددة وواضحة لكل ذي بصر وبصيرة، وتهدف إلى توسيع الشراكات بين الجهات الحكومية، وإيجاد المبادرات المحفزة، وإضفاء المزيد من الحوافز والإعفاءات التي تسهم في توفير مناخ إيجابي للاستثمار.

وتولي عدد من الجهات، وعلى رأسها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، التي تعد الموجه الأول لبدء الأعمال وممارستها وجذب الاستثمارات الأجنبية على اختلافها اهتمامًا كبيرًا من خلال ما تسعى إليه من تطوير منظومة بيئة الأعمال؛ بهدف تسريع النمو الاقتصادي، ورقمنة الإجراءات عبر منصات موحدة وذكية تقلل من الوقت والجهد على الجميع، وتفتح الأبواب واسعة لتسجيل الشركات عبر شاشات الهواتف النقالة ومن على الأسرة والمخادع في غرف النوم. فاليوم العالم بكل ضخامته يقبع مستكينًا بين كفي اليد الواحدة لممارسة الأعمال.

واليوم أيضًا هناك 76.5% من الخدمات مرقمنة تمامًا و89% من الأنشطة التجارية تُرخص تلقائيًا، وفقًا لما أكدته إحصائيات وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للفترة من أبريل 2021 وحتى منتصف العام الجاري، بمجموع بلغ 263 ألف ترخيص.

وبناءً عليه، فإن المستثمر يحصل على التراخيص من أي مكان في العالم دون قيود أو عراقيل، والتي ولى زمانها بلا رجعة.

وفي الاتجاه المقابل، تشهد الخدمات المساندة لبدء الأعمال في الجهات ذات العلاقة تطورًا إيجابيًا ملموسًا يسهم في تسريع وتيرة الأعمال عبر إحلال التقنيات الحديثة، وتكملة البيانات والمعاملات؛ ولعل من أهمها تسجيل الملكية العقارية التي سُهلت بشكل جيد من خلال إجراءات بسيطة، وكذلك تراخيص البناء لأي مشروع استثماري، حيث تقوم بلدية مسقط وأجهزة البلديات بإصدار تراخيص البناء بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.

 واحتلت السلطنة في هذا الجانب المرتبة 47 عالميًا. وكذلك قطاع الكهرباء فقد شهد هو الآخر قفزات عالية من خلال شبكة حديثة ومتطورة، وإيجاد طرق مرنة لتسهيل الدفع المسبق وتحديد فترات زمنية لتوصيل خدمات الكهرباء للمشاريع الجديدة، مما جعل سلطنة عُمان تحتل المرتبة 35 عالميًا في مؤشر الحصول على الكهرباء. 

وفي مجال الاتصالات أُطلقت شبكة الجيل الخامس وتم تطوير البنية الأساسية لدعم الأعمال، مما يعزز من تنافسية سلطنة عُمان كجهة استثمارية ذات مقومات قوية.

ومن جانبها، تعمل وزارة الإسكان على تكملة الإجراءات من خلال مبادرة دمج إجراءات الموافقات المسبقة في نظام إلكتروني موحد، مما يسهل التنسيق الذي لم يعد يحتاج إلى مراجعات متعددة.

كما تعمل بلدية مسقط بشكل متواصل على تحسين تبني التحول الرقمي وتيسير الخدمات للمواطنين والمقيمين من خلال الاعتماد على حلول الشباك الواحد والمنصة الواحدة.

كما اعتمدت عدة منصات رقمية متطورة لتحسين خدمات البلديات، منها بوابة الخدمات الإلكترونية وتطبيق “بلديتي” للهواتف الذكية.

وتعد منصة “اعتمد” من المشاريع الرقمية المهمة التي أطلقتها بلدية مسقط بهدف تسهيل وتسريع إجراءات استخراج تراخيص الحفر، وهناك الكثير من أعمال البلديات التي تم تفعيلها لتسريع وتيرة العمل، منها النظام البلدي الهادف إلى تحسين خدمات البلديات في جميع ولايات سلطنة عُمان من خلال استخدام حلول ذكية ومبتكرة. ويتضمن المشروع إنشاء نظام رقمي مركزي لإدارة خدمات البلدية، وذلك لتقديم 93 خدمة إلكترونية ودمج أكثر من 300 إجراء بلدي. كما أطلقت بلدية مسقط تطبيق الهواتف الذكية الذي يعتبر منصة تفاعلية متنقلة لتقديم خدمات عبر قنوات متنوعة.

وفي شأن الخدمات العقارية وأهميتها لبدء الأعمال، أطلقت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني حزمة من المنصات الرقمية المتكاملة التي تمثل نقلة نوعية في الخدمات العقارية، من أبرزها منصة “أملاك” التي تضم 59 خدمة رئيسية وأكثر من 83 خدمة فرعية في مجالات التخطيط العمراني والتصرفات القانونية.

وفي الاتجاه الآخر تعمل هيئة البيئة على تنظيم التصاريح البيئية بشكل شامل ومبسط.

بالطبع، هذه الجهود الكبيرة التي اقترنت مع بدء ممارسة الأعمال جاءت لتسهيل ممارستها وتسريع وتيرتها، والوقوف على انعكاساتها على الاستثمار بشكل عام، مما يتطلب من المستفيدين الاتجاه إلى هذه الخدمات لإنهاء معاملاتهم، ودراسة واستيعاب وفهم آلية عمل هذه المنصات أو الاستعانة بمكاتب “سند” لتقديم الخدمات الإلكترونية.

نأمل أن تُكلل هذه الجهود بالنجاح وتعمل على إحداث نقلة نوعية في المؤشرات الدولية لبدء الأعمال في سلطنة عُمان، وما يمثله هذا المؤشر من أهمية كبيرة في الارتقاء بسمعة ممارسة الأعمال في البلاد، وقبل ذلك تنزيل كل هذه الخدمات إلى أرض الواقع لكي يستفيد منها الراغبون في ممارسة الأنشطة التجارية، فالجهود الحكومية واضحة، والإجراءات أصبحت أسهل مما كانت عليه.