بالحبر السري..
في كرة القدم، كما في الحياة، لا يُقاس النجاح باللحظة، بل بالمشروع..ومن يتابع تاريخ المنتخبات الكبرى يعرف أن الهزيمة ليست نهاية الطريق، بل أحيانًا تكون بداية التحول الحقيقي.
حين خسر منتخب فرنسا نهائي يورو 2016 على أرضه، كانت الجماهير في صدمة، والصحافة لا ترحم. لكن بعد عامين فقط، صعدت فرنسا إلى قمة العالم، بطلة لمونديال 2018، بفكر مستمر، ومدرب لم يتغير، ولاعبين نضجوا من الألم.
وحين خرجت اليابان من كأس العالم 2014 بنقطة يتيمة، لم تنه مشروعها..بل طورتهوفي 2022، أطاحت بألمانيا وإسبانيا، وكادت تُحدث معجزة آسيوية خالصة.
هكذا تُبنى المنتخبات: بالإصرار، لا بالارتداد..
واليوم، يقف منتخبنا الوطني في مفترق طرق مشابه.
خاض التصفيات الرابعة المؤهلة إلى كأس العالم 2026، في مجموعة ضارية، وجدول ظالم، وتوقيت لا يرحم. ورغم ذلك، قدم مستوى قتالي، أجبر الجميع على الاحترام، حتى وإن لم تبتسم له النتيجة.
كيروش..رجلٌ يتحدث بلغة وطن..
حين جاء كارلوس كيروش، لم يأتِ كـ”مدرب عابر” يبحث عن راتب وعقد..بل جاء بثقافة مشروع، وبخبرة ساحات مونديالية، وبلغة تُشبه لغة الميدان العُماني:
“لسنا هنا للسياحة… نحن هنا لنصنع التاريخ.”
هذا مدرب واجه الاتحاد الآسيوي والفيفا بجرأة من لا يخاف،وقالها صريحة: “جدول المباريات ليس عادلًا..ونحن نقاتل في ظروف غير متكافئة.”
هل تعلمون من يقول هذا؟
مدرب وصل بكولومبيا إلى مونديال، وحقق نتائج تاريخية مع إيران، وقاد البرتغال في أصعب فتراتها..ثم اختار عُمان لأنه آمن بأن المشروع يستحق.
اللاعبون..الجنود الحقيقيون..
رغم وصول بعض اللاعبين المحترفين متأخرين، وقصر مدة التحضير،لم يبحث أحد عن الأعذار.،وقف الجميع كتلة واحدة،تعادلوا مع قطر، وتقدموا على الإمارات،
وكانوا على بُعد 20 دقيقة فقط من حلم تاريخي.
ثم خذلهم الإرهاق..لا الأداء.
هذا منتخب يُبنى لا ليوم..بل لمستقبل.
البوسعيدي..القرار الذي غيّر قواعد اللعبة..
جرأة رئيس الاتحاد، السيد سليمان البوسعيدي، في التعاقد مع كيروش،وفي إعداد المنتخب خلال وقت قياسي،وفي مواجهة التحديات الإدارية والتنظيمية بهدوء وثبات،هي نقطة تحوّل يجب أن تُسجَّل في دفتر المستقبل.
لم يختبئ، ولم يُلقِ اللوم على أحد، تحرك، وبنى، ودعم..وها هو يرى منتخبًا يقاتل أمام عمالقة القارة.
لا تقتلوا المشروع بنظرة سطحية..
نعم، نحزن للخسارة.
ونغضب من التراجع في اللحظات الأخيرة.
لكن ما لا يجب أن نفعله هو هدم البناء بأداة الهدم الأسهل: النقد المجرد من الرؤية.
نعم..نُقيّم، لكن بعين العاقل لا فم الغاضب.
المنتخب لم يكن هشًا.
بل كان قويًا..لكنه وقع أمام ظروف قاسية لم تكن تحت سيطرته.
نحن في منتصف الطريق..لا نهايته
من يرى أن المشروع انتهى بخسارة، فهو لا يفهم كيف تُبنى المنتخبات..ومن يشكك في العمل الجماعي الذي حدث خلال الأسابيع الماضية، فهو لا يرى الصورة كاملة.
الاتحاد، والجهاز الفني، واللاعبون، والإعلام المسؤول، والجماهير الوفية..كلهم كانوا جبهة واحدة.
وهذه الجبهة لم تنكسر..ولن تنكسر.
الرسالة الأخيرة:
إذا أردنا التأهل يومًا إلى كأس العالم،
فلن يكون ذلك بانفعالاتنا، بل بثباتنا عند أول منعطف.
عُمان قادرة..لكن علينا أن نؤمن أن الطريق لا يُمهّد إلا لمن يواصل السير..لا لمن يتوقف عند العثرات.