حين دخل كارلوس كيروش قاعة المؤتمر الصحفي قبل لقاء قطر، لم يكن يبحث عن مجاملة، ولا عن تصعيد. لكنه فجّر قنبلة معنوية حين تحدث عن “الروح الوطنية” لدى لاعبي منتخب عُمان، قائلًا إنهم لا يملكون كل شيء، لكن يملكون “القلب والروح العمانية الأصيلة ”، وهو أعظم سلاح يمكن أن تحمله في معركة كتلك.
منذ تلك اللحظة، بدأت حرب نفسية هادئة، قادها السبعيني الذي وصفه الإعلام القطري بـ”العجوز الذي فقد قدرته العقلية”، خاصة في برنامج المجلس الشهير، الذي امتهن التلميح أكثر من التصريح. لكن كيروش لم يرد بكلمة… ترك الرد للملعب.
خطة عسكرية بلغة الكرة..
كيروش لم يركن إلى الاستعراض العُماني المعروف، الملقب بـ”سامبا الخليج”، بل صهر تلك المهارات في منظومة صلبة، أشبه بجدار إيطالي من أيام “الآزوري الذهبي”.
أدار المباراة وكأنها مواجهة نهائية، أغلق المنافذ، عطّل مفاتيح اللعب القطرية، وكأن لديه شيفرة التشكيلة القطرية قبل أن تُعلن رسميًا. في الحقيقة، كيروش قالها صراحة: “أعرف من سيلعب، وقد أعددنا لكل اسم حسابه”. وهذا التصريح وحده أربك كل الحسابات في المعسكر القطري.
عدالة مفقودة..وكيروش يتكلم..
لم يكتفِ كيروش بالحرب النفسية داخل الملعب، بل انتقد علنًا نظام التصفيات الذي لا يمنح كل المنتخبات فرصًا متكافئة، في رسالة غير مباشرة لكل من “ضُمنت لهم الملاعب والجدول والجمهور والراحة”. ومع ذلك، خرج كيروش بنقطة، هي في عرفه انتصار تكتيكي وأخلاقي.
كيروش يفاجئ ويُراهن..
• غانم الحبشي، لاعب ارتكاز لم يسبق له اللعب أساسيًا، يُزج به في مباراة مصيرية.. قدم ما لديه لم يرتبك ونفذ التعليمات بحذافيرها..
• ثاني الرشيدي، قلب دفاع شاب، يُلقى به في معركة ضد مهاجمي قطر أصحاب الخبرة والسرعة، فينتهي به الأمر أفضل لاعب في المباراة، ويُعيد إلى أذهان الجمهور صورة محمد ربيع، الليبرو الأسطوري في تاريخ عُمان والخليج.
هذه ليست مقامرة..بل إيمان باللاعبين وبالمشروع.
عُمان..من نقطة إلى تحوّل..
التعادل السلبي لم يكن نتيجة مُحبطة، بل كان عملية اختطاف فنية ونفسية من كيروش في ملعب خصمه، ووسط جمهوره، ضد منتخب وصل إلى كأس العالم وتُوج ببطولة آسيافهل كان يمكن تحقيق الفوز؟
ربما، خصوصًا في ظل هشاشة دفاع قطر، لكن كيروش لم يُغامر أمام خط هجوم قطري شرس… بل تحكم بالإيقاع، وأدار الزمن كما يشاء، وكأنه يقود “ساعة سويسرية” لا تنحرف ثانية واحدة.
الدروس العالمية: الفوز لا يبدأ بالكرة..بل بالعقل..
مثلما فعل فرنسا 1998 مع زيدان، أو اليابان 2022 حين أطاحت بألمانيا وإسبانيا، أو حتى المغرب في مونديال قطر عندما وصلت لنصف النهائي بواقعية وشراسة… كل هؤلاء لم يرفعوا الكأس فقط بالمهارة، بل بـ”القرار”، وبوجود مدرب لا يخشى كِبار اللعبة.
وهذا ما فعله كيروش. والتحدي القادم..
السبت، أمام منتخب الإمارات، تبقى أقل من 90 دقيقة سيخوضها “العجوز” الذي قالوا إنه فقد ذاكرته، فإذا به يمتلك ذاكرة حديدية، ورؤية مستقبلية، وثباتًا نفسيًا مذهلًا.
فهل يفاجئهم مرة أخرى؟
وهل يكون منتخبنا على موعد مع كتابة صفحة جديدة في تاريخه الكروي؟
لا أحد يملك الإجابة الآن،
لكن إن كان هناك من يُخطط،
فكيروش هو من يكتب السيناريو القادم..
أمنا به وندعمه بكل إمكانياتنا..
ختامًا:
في كرة القدم، لا يكفي أن تملك النجوم، أو الأرض، أو الجمهور…
ما تحتاجه فعلًا هو قائد يعرف كيف يُطفئ الأضواء على خصمه، ويُشعل الملعب لرجاله.
وهذا ما فعله كيروش في الدوحة..وسلملي على ماجد الخليفي ..!!