مسقط - العُمانية
يشكّل سؤال نشأة الكون أحد أقدم وأكثر التساؤلات إثارة في الفكر الإنساني، حيث التقت عنده الفلسفة والدين والعلم.
وفي هذا السياق، فتح الدكتور يوسف البناي، الباحث في الفيزياء النظرية، نافذةً واسعة على عالم الفيزياء الكونية خلال حديثه لوكالة الأنباء العُمانية مسلطًا الضوء على النظريات الحديثة ودور الاكتشافات العلمية في فهم بداية الكون.
يؤكد الدكتور البناي أن النظرية العلمية السائدة حول نشأة الكون هي نظرية الانفجار العظيم /Big Bang/، التي وقعت قبل نحو 14 مليار سنة، ومنها انبثق المكان والزمان والطاقة والمادة. إلا أنّه يوضح أن النظرية لا تفسر "لحظة البداية" ذاتها، بل ما حدث بعد جزء من مليون من الثانية من حدوثها، مشيرًا إلى أنّ الخلط بين "نشأة الكون" كمصطلح علمي و"خلق الكون" كمسألة فلسفية ودينية شائع بين العامة.
ويضيف أن الفيزياء الحديثة، ولا سيما الميكانيكا الكمية والنسبية العامة، قامت بدور كبير في محاولة تفسير أصل الكون، إلا أنّ دمج النظريتين لم يسفر حتى الآن عن نموذج موحّد يفسر البدايات الأولى. ويصف الأمر بقوله: "لا توجد حتى الآن نظرية مقنعة تفسر ما قبل الانفجار العظيم، وكل ما لدينا نماذج وفرضيات قيد النقاش".
أما عن الزمن، فيشير البناي إلى أنه بدأ مع نشأة الكون، مؤكدًا أن الاتجاه العلمي يعزو مساره إلى مبدأ "الانتروبي" أو ازدياد الفوضى، وهو ما يمنح للزمن معنى فيزيائيًّا. وفيما يتصل بتمدد الكون، أوضح أن الملاحظات الفلكية أثبتت أن الكون في حالة توسع متسارع، مدفوعًا بظاهرة غامضة تعرف بـ "الطاقة المظلمة".
وعن الأدلة التي تعزز نظرية الانفجار العظيم، يوضح أن أبرزها إشعاع الخلفية الكونية والانزياح الأحمر في أطياف المجرات، وهي شواهد رصدية أكدت بما لا يدع مجالًا للشك صحة هذه النظرية.
وتوقف الدكتور البناي عند أهمية التلسكوبات الحديثة مثل تلسكوب جيمس ويب، معتبرًا أنه "نافذة على الماضي"، إذ يمكّن العلماء من رؤية المجرات الأولى في مراحل تكوينها، تمامًا كما يرصد جهاز السونار الطبي ملامح الجنين.
أما عن الأسئلة التي ما زالت مطروحة دون إجابة، فيعددها في: لحظة البداية، المادة المظلمة، الطاقة المظلمة، مبينًا أنها قضايا تحتاج إلى ثورات علمية جديدة. ومع ذلك، يتوقع أن يشهد منتصف القرن الحالي تطورًا نوعيًّا مع إمكانية رصد موجات الجاذبية البدائية التي ستفتح آفاقًا جديدة لفهم أصل الكون.
وفي حديثه عن البعد الإنساني والمعرفي، يرى البناي أن "فهم نشأة الكون ليس شأنًا علميًّا بحتًا، بل مسعى إنسانيًّا شاملًا"، موضحًا أن علم الفلك يوحد البشرية أكثر من أي علم آخر.
وأشار إلى أن الشباب العُماني يتميز بشغف معرفي ملحوظ بالعلوم النظرية والفلسفة، ما يبشّر بمستقبل واعد في هذا المجال.