مساءلات التاريخ

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٢/مايو/٢٠١٦ ٠٢:٣٧ ص

بين لقبي الزعيم والطاغية اختلف معي حين وصفت الرئيس العراقي صدام حسين.. مع أن الزعيم يمكنه أن يصبح طاغية.. وقد فعلها صدام، وفق قراءتي لما حدث ويتواصل حدوثه، والأسوأ الذي حدث بعد سقوط نظامه لا يعني أنه كان ملاكا يستريح في قصره فيسبح بشكر نعمه كل مواطن.

تلك أسئلة التاريخ المعلقة، كذلك اللقب الذي كانت عليه جنائن بابل المعلقة وهو يضع جبلا من التراب على قسم من آثارها حيث قصر نبوخذ نصر ليقوم فوقه قصره المنيف في الحلة، وقد بدا لي أسطوريا رغم كل العبث الذي طاله.. بينما لم أجد شارعا جيدا كالذي تعرفه مدن العالم الثرية حيث ينعم مواطنوها بخدمات أبسطها العيش بكرامة.
هو المغامر الذي خدع البعض بقومية زائفة ببضعة صواريخ سكود أرسلها إلى إسرائيل بينما حارب جارته إيران ثماني سنوات واجتاح جارته الكويت وجعل العراقيين بين باكٍ على شهيد أو مقتول أو سجين أو مفقود أو مشرد.
إنما.. نظرتي، وغيري، تبقى هامشية جدا في الحديث عن مرحلة صدام حسين، إذ لن نصل إلى مقدار ضئيل من شعور أولئك الذين كنســـتهم مخــابراته كالجرذان وشوهتهم قنابله القذرة كالذين في حلبجة.. وتشــرد علماء وشعراء ومفكرون في أنحاء الدنيا وغدر بهم كالأشقاء في الكويت.
السيرة الدموية لصدام حسين ليست خافية، مع أنه يبدو لي، على الأقل، محافظا على وحدة البلد الواحد، فلم يتمزق وتصادر حرية مدنه ميليشيات القتل.
ما حدث بعده من طائفية لا أراها دلالة زعامة تكتسب مثاليتها خارج حسابات القوة حيث يقيد الوطن بالحديد والنار ليكون متماسكا.. صدام بالنسبة لي مجرم حرب تماما كما هو جورج بوش الذي أكمل الهدم الصدامي لمقومات العراق، فظهرت فيه الطائفية البغيضة وقتلة كانوا يبحثون فيه عن مأوى.. وسياسيون يفتقدون للخبرة بعد عقود من حكم الفرد الواحد/‏ المطلق.
أما المعجبون بالزعيم الراحل فلهم حريتهم في قراءة التاريخ بحسب ما يرون.. ربما لأنهم يرون صورة الزعيم القوي في البلد القوي، أما شخصيا فلا يعجبني المغامرين بأوطانهم من أجل بطولات تأتي على حساب الوطن والمواطن.
وطن بحجم العراق وثروات بشرية وطبيعية هائلة ليس هو الذي أرى ملمحاً منه حيث القصر المنيف شاهد مجد وحيد يشرف على مدينة بابل القديمة.. ليس هو الأخبار الآتية من بغداد نحو ثلاثين عاما تضع عناوين الحروب والموت على صفحات شوارعها ومقدرات ثروات كان يمكنها بناء بلد عصري يستحقه مواطن عرف أقدم الحضارات.. والقوانين.
هل الديكتاتورية زعامة.. والقمع قوة؟
لا أجيب ولا أتهم.. إنما هو الدعاء أن يحفظ الله العراق من كل الدخلاء في إدارة شــؤونه الداخلية، وأن يهب هذا البلد العظيم ســـياسيين قادرين على تلبية تطلعاته.