يوننان - كينمنج - خالد عرابي
أختتمت مؤخرا فعاليات منتدى " الجنوب العالمي للإعلام ومراكز البحوث " الذي نظمته وكالة أنباء "شينخوا" الصينية، ولجنة الحزب الشيوعي الصيني والحكومة المحلية بمدينة كينمنج حاضرة مقاطعة يوننان جنوب غربي الصين، والذي أقيمت فعالياته خلال الفترة من الرابع وحتى التاسع من سبتمبر الجاري ، وشاركت في الملتقى من سلطنة عمان مجموعة مسقط للإعلام ممثلة في فادي قطار، الرئيس التنفيذي للعمليات، وخالد عرابي، مدير التحرير ومدير تطوير الأعمال بالمجموعة.
وتناول الملتقى الذي أقيم على مدى عدة أيام عدد من المحاور المهمة والتي درات حول دور الإعلام ومراكز البحوث في دعم قضايا منطقة الجنوب العالمي، وما هو الدور المطلوب من مراكز الأبحاث والإعلام في ذلك، وما هي الرؤية المستقبلية لدول المطقة، وكذلك أبرز التحديات التي تواجهها دول تلك المنطقة وغيرها الكثير.
وشارك في أعمال المنتدى أكثر من 500 ضيف وشخصية رفيعة المستوى يمثلون أكثر من 260 وسيلة إعلامية ومركز بحث ووكالة حكومية ومنظمة دولية من 110 دولة ومنطقة، منهم وزراء ونواب وزراء ورؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير وكالات الأنباء الوطنية الدولية، ومن رؤساء تنفيذيين ورؤساء ومدراء تحرير للعديد من المجموعات الإعلامية والصحف والمجلات بالإضافة إلى الصحفيين وأساتذة الجامعات والأكاديميين ورؤساء وأمناء عموم مراكز البحوث وقادة للرأي والفكر من معظم دول الجنوب العالمي.
أفتتحت أعمال المنتدى برعاية فو هوا، رئيس وكالة أنباء " شينخوا "، وخلال فعاليات المنتدى، حظيت المبادرات العالمية الأربع المقترحة من قبل الصين - مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمية، ومبادرة الحضارة العالمية، ومبادرة الحوكمة العالمية - باهتمام كبير من قبل المشاركين، وخاصة الأخيرة التي طرحت خلال قمة منظمة شانغهاي للتعاون 2025 في مدينة تيانجين الصينية مؤخرا.
وفي كلمته في افتتاح المنتدى، شدد وو هاي لونغ، رئيس جمعية الدبلوماسية العامة الصينية، على المسؤولية الملقاة على عاتق وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث تجاه حماية المصالح المشتركة وتعزيز الوحدة والتعاون في ظل ارتفاع مكانة الجنوب العالمي على الساحة الدولية، داعيا إياها إلى تعزيز التبادل والتواصل من أجل تعميق التفاهم بين مختلف الشعوب.
الترابط والتلاحم بين الجنوب العالمي
وأكد وزير الإعلام الفنزويلي جوني رودريجيز على أن الإعلام له دور كبير ومهم وحيوي الترابط والتلاحم بين الجنوب العالمي، وأن الإعلام وكذلك مراكز الأبحاث هي من أوائل المؤسسات التي يمكنها أن تلعب الدور الأهم والأكبر في قضايا هذه المنطقة المهمة من العالم، كما يمكنها أن تلعب نفس الدور في طرح التحديات والمشكلات التي تواجهها دول الجنوب ومن ثم يمكنها بحثها وإيجاد حلول لها، كما أكد على أن جميع المؤسسات المندرجة تحت هاتين الفئتين تكمل بعضها البعض، ولذا تم طرح موضوع الملتقى لهذا العام مع الربط بين هاتين الفئتين، مع ربطها بأحدث الأشياء في العالم وهي الذكاء الاصطناعي. وقال رودريجيز: إذا كان لمراكز البحوث دور في بحث قضايا وتحديات ومشكلات دول تلك المنطقة، فإن للإعلام الدول المكمل والمهم في تسليط الضوء على كل ذلك وإبرازه للحكومات والمسئولين، وحتى الشعوب في تلك الدول ومن ثم جعلها قضايا حيوية وجوهرية وقضايا مصير مشترك ومن ثم تبنيها والعمل على عليها بالحاح حتى الوصول إلى حلول عملية لها.
وأكد خبراء وإعلاميون عرب حضروا المنتدى على " الحاجة الملحة لتعزيز الوحدة وبناء التوافق بين دول الجنوب العالمي"، مشددين على أن وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث تتحمل مسؤولية أكبر عن تعزيز صوت الجنوب العالمي، ودفع التبادلات الفكرية والثقافية والحضارية بين شعوب تلك الدول.
وأشاد المشاركون العرب في المنتدي بالتطور الملحوظ في العلاقات الصينية - العربية خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد انعقاد القمة الصينية - العربية الأولى في العاصمة السعودية الرياض 2022، متوقعين نجاح القمة التالية التي ستعقد في الصين العام المقبل. كما أشادوا بموقف الصين الداعم للقضايا العادلة في الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ورفضها التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، مسلطا الضوء على الدور البارز الذي قامت به الصين في التقارب بين السعودية وإيران، مما انعكس بالإيجاب على استقرار منطقة الشرق الأوسط.
وأكد فادي قطار، الرئيس التنفيذي للعمليات بمجموعة مسقط للإعلام، أن المنتدى يرسم مسار رحلة دول الجنوب العالمي المشتركة نحو مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي. مضيفا أن الذكاء الاصطناعي يشهد تقدما هائلا خلال السنوات الأخيرة، وتستثمر الدول حول العالم بكثافة في البنية التحتية والتعليم والابتكار، أما الصين فترسي معايير عالمية في تبني الذكاء الاصطناعي، بينما في الشرق الأوسط، حيث تعمل مجموعة مسقط للإعلام، تُضخ مليارات الدولارات في مراكز البيانات ومراكز الأبحاث. ويمكن أن تتضافر جهود أنظمة الإعلام والتكنولوجيا في دول الجنوب العالمي، انطلاقا من هذا المنتدى، للعمل معا لإطلاق العنان لإمكانات الذكاء الاصطناعي.
إعادة النظر في كثير من مؤسسات المجتمع الدولي
وقال الدكتور حسان محمد فلحة، مدير عام وزارة الإعلام بلبنان: إنه حان الوقت لإعادة النظر في كثير من مؤسسات المجتمع الدولي ويأتي على رأسها الأمم المتحدة والبنك ومجلس الأمن الدوليين لأنها كما بات ظاهر للعيان أن تلك المؤسسات تكيل بمكيالين، كما أنها لا تعير انتباها لكل ما يحدث في العالم من هيمنة للقطب الواحد، ولما يحدث من ظلم وعدوان واعتداء وقتل وتشريد، ولعل أبرز الأمثلة هو ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل من قتل وتجويع وتشريد وتلك المنظمات الدولية لا تدر لهذا الأمر بالا ولا تعطي له أهمية، بل ولا تقوم بأي دور في هذا الجانب، وحتى وإن قامت بشيء فهي أشياء وهمية من الإدانة والشجب وغيرها، وهي أشياء وهمية باتت معروفة ومحفوظة للجميع.
وأكد فلحة على أن الصين يمكنها القيام بدور كبير في كسر هذه الهيمنة وهذا التسلط والتسيد على العالم لما لديها من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية ولما لها من تقدم كبير في التكنولوجيا والعلوم، وهي بالفعل تقوم بهذا الدور، ولعل عقد مثل هذا الملتقى العالمي المهم لدول الجنوب العالمي والذي نحن مجتمعين من أجله اليوم يأتي في إطار هذا الجانب المهم.
دور محوري لمراكز الأبحاث
وأكدت الدكتورة خديجة عرفة، رئيسة الإدارة المركزية للتواصل المجتمعي بمركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار في رئاسة مجلس الوزراء المصري، في كلمتها خلال المنتدى، على أن مراكز الأبحاث تلعب اليوم دورا محوريا في تشكيل السياسات العامة، مشيرة إلى أن مراكز الأبحاث اضطلعت في الآونة الأخيرة بدور موسع في تعزيز التواصل الحكومي، وخاصة في ضوء حالة عدم اليقين المتزايدة في العالم. وأضافت أن "التحديات المشتركة التي تواجهها دول الجنوب العالمي تتطلب تعاونا وثيق بين مراكز الأبحاث لتقديم رؤى وحلول قيّمة للمشاكل المشتركة، والمساعدة في صياغة سياسات عامة عالمية أكثر إنصافا، وضمان وضع شواغل الجنوب العالمي على رأس جدول الأعمال الدولي"، داعية إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز التواصل الحكومي من خلال إنشاء منصات رقمية مشتركة تُمكّن مراكز الأبحاث من التفاعل مع وجهات نظر متنوعة وبناء روابط أقوى بين شعوب بلدان الجنوب العالمي.
مواقف مشرفة في دعم القضايا العربية
وقال خالد بن مبارك آل شافي، رئيس تحرير صحيفة البننسولا القطرية، إن الصين لها مواقف مشرفة في دعم القضايا العربية بشكل كامل في المحافل الدولية، سواء في الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية. وبينما أشار إلى التعاون المتطور بين الصين والدول العربية في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، أكد آل شافي أن "الدول العربية تحتاج إلى تعزيز التعاون مع الصين في مجالات مثل الاستثمار وتطوير التكنولوجيا".
ومن جهته، اعتبر عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني محمد علوش أن "هذه المبادرات تشكل رؤية متقدمة من أجل بناء نظام عالمي أكثر عدلا وإنصافا، يقوم على المساواة في السيادة، والالتزام بالقانون الدولي، ورفض الهيمنة والمعايير المزدوجة". وأضاف علوش أن ما تقدمه الصين اليوم يعكس بعمق فلسفة الحكمة الصينية القائمة على التضامن والشراكة والمنفعة المتبادلة في مواجهة التحديات العالمية. وتابع قائلا "نؤمن بأن مبادرة الحوكمة العالمية تفتح آفاقا رحبة لتعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية، وتقليص الفجوة بين الشمال والجنوب، وإيجاد حلول إنسانية مشتركة للأزمات العالمية".
تجارب حضارية وروحية وتنموية ملهمة
من جانبه، لفت وارف قميحة، رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث في لبنان في كلمته، الى أن دول الجنوب، رغم كثافتها السكانية وعمقها التاريخي "لا تزال تعاني من التهميش في المنصات الإعلامية العالمية، حيث تُصوّر في أغلب الأحيان كمناطق نزاع أو فقر أو تطرف رغم ما تمتلكه في الواقع من تجارب حضارية وروحية وتنموية ملهمة تستحق أن تُروى من الداخل لا أن تُشوه من الخارج". وأضاف قميحة أنه رغم تباين اللغات والأديان والتقاليد في دول الجنوب العالمي، إلا أن ثمة قواسم حضارية تربط بين شعوبها مثل تقديس الأسرة واحترام كبار السن وتعظيم التعليم والإيمان بقيم العدالة والتكافل والذاكرة الجمعية للوقوف في وجه الاستعمار والتهميش، لافتا إلى أن هذه القواسم المشتركة يمكن أن تكون نقطة انطلاق لحوار حضاري لا يُنكر الاختلاف، بل يجعل منه مصدرا للقوة لا للفرقة.
وقال قميحة إن "هذه المبادرات تقدم تصورا صينيا متكاملا لبناء عالم أكثر عدلا في إطار من التعددية الفاعلة والمساواة بين الدول"، مشيرا إلى أن ما يميز مبادرة الحوكمة العالمية أنها تأتي في لحظة دولية حاسمة، يواجه فيها النظام الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية تحديات، تتمثل في ضعف تمثيل الدول النامية، وتصاعد سياسات القوة، وتراجع فعالية المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة.
واعتبر قميحة العلاقات الصينية - العربية بأنها "نموذج لعلاقات الجنوب العالمي لما أنها تقوم على الحوار والتواصل والتعاون المشترك". وشاطره الرأي إبراهيم موسى، مدير وكالة أنباء السودان (سونا)، قائلا: إن "الصين تلعب دورا مهما في دفع استقرار الشرق الأوسط، بسياسات واضحة تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية".