عل المطاعني يكتب: حلمُ الجيش الخليجي..هل يقترب بعد هذه الاعتداءات؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٤/سبتمبر/٢٠٢٥ ١٢:١٦ م
عل المطاعني يكتب: حلمُ الجيش الخليجي..هل يقترب بعد هذه الاعتداءات؟
علي بن راشد المطاعني

بُعيد مهاجمة الكيان الإسرائيلي المحتلّ دولة قطر الشقيقة، يتعين مراجعة العديد من الملفات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتشكيل منظومة خليجية أمنية دفاعية أكثر كفاءة وقدرة على التعاطي مع المستجدّات والمتغيّرات الإقليميّة والدوليّة التي تفرض المزيد من اليقظة إزاء التهديدات التي بلغت منتهاها صلفًا وغرورًا صهيونيًّا ولم يعد السكوت عليه ممكنًا.

وفي الإطار العام، أمسى عالمنا أكثر جنوحًا للاعقلانية واللامنطقية التي باتت تسوس قريتنا الكونية بنحو واضح. لذلك ولكل ذلك، أضحى إيجاد منظومة دفاعية خليجية فاعلة وإحياء درع الجزيرة فرض عين، إعادةً لفكرة المغفور له بإذن الله السُّلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه-، ومفادها تشكيل جيش خليجي موحّد قوامه أكثر من مائة ألف جندي وتسليحه بأفضل وأحدث أنواع الأسلحة المتطورة لتتمكن من الدفاع عن دول المجلس التي باتت مهدّدة بشكل كبير وواضح بناء على المعطيات الراهنة على الأرض وما يخبّئه المستقبل لهذه المنطقة من أخطار تهدّد وجودها الأمني والاجتماعي فضلًا عن التأثيرات الاقتصادية للتداعيات الجيوسياسيّة والعسكريّة التي تعصف بالمنطقة بين فترة وأخرى، الأمر الذي يتطلب من دول المجلس وبعد كل الأحداث الدّامية التي وقعت أن تعيد ترتيب بيتها الخليجي الدّاخلي بنحو يسهم في المزيد من الاستقرار واستتباب الأمن والسّلم الاجتماعيين وبثّ الطمأنينة بين أبناء دول الخليج إزاء مستقبلهم القادم بعد الاطمئنان على السياج الأمني والعسكري الخليجي وقدرته على نشر مظلته الصّلبة فوق سماوات دول المجلس قاطبة، ولا ننسى حقيقة أن على دول المجلس أن تنشئ منظمات ضخمة للصناعات العسكرية الدفاعية وحتى الهجومية بعد أن أثبتت الأحداث أن الاعتماد على شراء السلاح الغربي كارثة عظمى.

 في الواقع إن الأحداث التي تعصف بالمنطقة بين فينة وأخرى على ضوء ما تعرضت له دولة قطر الشقيقة قد يتكرر في كل دول المجلس دون استثناء في ظل الاعتداءات الامبريالية والهمجية من جانب العدو الإسرائيلي الذي أعلن بكل صلف وغرور أنه يعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط على هواه المريض بما فيها منطقة الخليج، وهو ما يجب أن تأخذه دول المجلس على محمل الجد في إدارة الأحداث على صدى هذا الواقع الخطير، وبنحو يحقق أمنها واستقرارها على الأمد القريب والطويل معًا، وأن تستفيد دول الخليج العربية من الدروس العملية القاسية والدامية التي جرت وتجري على الأرض، وهذا ما يثبت كل يوم أهمية إعادة ترتيب البيت الخليجي بنحو أفضل مما هو عليه، ومن أبرز هذه المعطيات الاعتماد على الذات بنحو كامل بعد أن أكدت الأحداث على أن الرهان على الآخر هو حصان خاسر.. كما ثبت أن التحالفات العسكرية التي تبرمها دول المجلس مع الخارج هي كذبة كبرى في حقيقتها بعد أن فشلت في صدّ الهجمات التي تتعرض لها دول المجلس، ورغم ما دفعته وتدفعه من مليارات الدولارات ثمنًا لهذه التحالفات الوهمية الخاسرة والكاسدة فهي لا تعدو إلا أن تكون احتلالًا صريحًا لها أو لأجزاء منها.

ولعل حديث الرئيس الأمريكي ترامب الذي عبّر فيه عن أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تطالب بأن تكون القواعد العسكرية في دول المجلس بمثابة أراض أمريكية للأبد إلا دليل على ما تعنيه هذه التحالفات من خيبة أمل، وبات وجود هذه القواعد في دول الخليج خطرا على مستقبل الدول وعلى وجودها حرة مستقلة.

وربما لم تأخذ دول المجلس في الفترات الماضية مسألة قدسية الأمن العسكري على محمل الجد أو أن لديها توجسات من بعضها البعض أو ربّما اعتقدت خطأ مميتًا أن القوات الأجنبية سوف تحميها ممّا تعرضت له في السنوات الماضية بدءًا من الحرب العراقية الإيرانية مرورًا بالحرب العراقية واحتلال دولة الكويت الشقيقة، والتهديدات التي تتعرض لها كل دولة بين حين وآخر، وانتهاءً بنكبة ضرب قطر مرتين الأولى من القوات الإيرانية، والأخيرة من القوات الإسرائيلية، وما بين هذه وتلك هناك الكثير من التهديدات التي ما برحت مستعرة تحت الرماد، مدفوعة بالتجاذبات الجيوسياسية بين دول المجلس وبعض دول العالم، ناهيك عن ما يتعرض له مضيق هرمز من تهديد بإغلاقه وتلغيمه.

وبعد كل هذه المستجدات الآن، فإن على دول المجلس أن تعيد تفكيرها في بناء جيش خليجي مشترك قوامه أكثر من 250 ألف جندي تسهم فيه دول المجلس بالتساوي في إعداده، وليغدو قادرًا على حماية دولها من أي اعتداء أجنبي وتزويده بأفضل الأسلحة المتطورة بدلا من سباق التسلح المنفرد الذي لم يسهم قبلُ في درء أي خطورة عن هذه الدول التي لن تستطيع اليوم أو غدًا حماية نفسها منفردة مهما تعاظمت قواتها وعتادها الفردي، وكل المؤشرات تشير إلى ضعف تكويناتها وقدراتها وغلافها الجوي في إجراء تدريبات عسكرية مشتركة فما بالك بالدخول في حروب في إطار الدفاع عن النفس.

فالتوجسات الخليجية التي صاحبت فكرة المغفور له جلالة السُّلطان قابوس -طيب الله ثراه-، بإنشاء جيش خليجي موحّد، وهذا الفكر الاستراتيجي المتقدم من قائد خليجي ملهم بعيد النظر والرؤية يجب استلهامه فورًا لا ترفًا وإنما هو أمر أساسي فرضته الأحداث على مدى 30 عامًا من الصراعات والمناوشات التي يعلو غبارها وعثارها ما برح يغطي عواصم دول المجلس.

 ولو أن دول المجلس استمعت لنصيحة السُّلطان قابوس وقتها في تسعينات القرن الماضي لما كان لإسرائيل أن تجرؤ على تنفيذ هذه الحماقات، ولا كان للعراق أن يحتل الكويت وغيرها من الأحداث التي جعلت المنطقة تقف على حديد ساخن كما نرى اليوم. وبالطبع الجهود المبذولة في التعاون الدفاعي لا تعدو إلا أن تكون تنسيقًا أكثر منه دفاعا، وموجّه للداخل أكثر من الخارج على ما يبدو حيث يأتي الخطر.

نأمل أن تعيد دول المجلس صياغة تعاونها في كافة المجالات بشكل يتواكب مع التطوّرات الدولية، وأن تنشئ جيشًا خليجيًّا قادرًا على الدفاع عن دوله بالاعتماد على الذات لا على الآخرين، حيث أثبتت الأيام أن التجارب السابقة كارثية ومهدّدة لبقاء دول المجلس على ظهر البسيطة.