محمد بن محفوظ العارضي يكتب: هل أصبحت الكفاءة في الذكاء الاصطناعي هي محو الأمية الجديد؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٣/سبتمبر/٢٠٢٥ ٠١:٥٩ ص
محمد بن محفوظ العارضي يكتب: هل أصبحت الكفاءة في الذكاء الاصطناعي هي محو الأمية الجديد؟
محمد بن محفوظ العارضي

في كل عام وتحديداً في شهر سبتمبر، يحتفي العالم باليوم الدولي لمحو الأمية، تأكيداً على أهمية القراءة والكتابة باعتبارهما حقين أساسين من حقوق الإنسان، ومفاتيح العبور إلى المواطنة العالمية. غير أن مفاهيم الأمية التقليدية تشهد تحولاً جديداً، إذ أخذت تتجاوز حدود الحروف والكلمات على الورق لتصبح أكثر إرتباطاً بالقدرة على التفاعل مع التكنولوجيا وفهمها.

فما الذي يعنيه هذا التحول بالنسبة لمجتمعاتنا؟

وبالأخص، ماذا يعني لشبابنا الذين سيحملون مستقبل هذه المنطقة على عاتقهم؟

الذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل يُحدث تغييراً جذرياً في أساليب وأنماط حياتنا وطرق عملنا، وشبابنا مقبلون على مستقبل تكاد جميع المهن فيه أن تخضع لتأثير الذكاء الاصطناعي. ومن المرجح أن الطلاب الذين تسلّموا نتائج الـ A-Level الشهر الماضي سيجدون أنفسهم بعد عشر سنوات من الآن في وظائف لم توجد بعد. ففي «تقرير وظائف المستقبل 2025م» الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، يتوقع أن يخلق الذكاء الاصطناعي ومعالجة البيانات 11 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030م. وبطبيعة الحال يشير التقرير إلى أن المهارات التقنية ستزداد أهميتها بوتيرة أسرع من أي مهارات أخرى خلال السنوات الخمس المقبلة، مع تصدّر الذكاء الاصطناعي رأس القائمة.

وعلى الرغم من هذه المعطيات يقول نحو نصف طلاب اليوم إنهم لا يشعرون بالجاهزية الكافية لدخول سوق عمل تديره تقنيات الذكاء الاصطناعي. ومن هنا، فإن سد ومعالجة هذه الفجوة يُعد ضرورة إقليمية ملحّة، لا يمكن التغاضي عنها في دول الخليج، ففي هذه المنطقة يشكّل الشباب دون سن الثلاثين أكثر من نصف سكانها. هذه النسبة تمثل ثروة ديموغرافية هائلة إذا ما استطاعت الدول أن تُحسن إعداد أجيالها لمستقبل تحركه تقنيات الذكاء الاصطناعي. ولحسن الحظ، فقد أدركت حكومات مجلس التعاون هذه الحقيقة مبكراً، وهي الآن تسير بخطوات متقدمة على هذا الطريق، إذ التزمت الإمارات والسعودية والكويت بإدماج الذكاء الاصطناعي في مناهجها الدراسية، حتى إن كثيراً من المدارس باتت تدرّس مبادئه للأطفال في عمر أربع سنوات.

وبرامج تأهيل الشباب لم تقتصر على الفصول الدراسية وحدها، فهناك مبادرات إقليمية بارزة مثل مبادرة «مليون محاور» وقبلها برنامج «مليون مبرمج عربي» الذي أُطلق علم 2017م لتعزيز الثقافة الرقمية لدى الشباب العربي. وهذه المبادرات ليست استجابات متسرعة لإيقاع التكنولوجيا الحديثة، وإنما ثمار لاستراتيجيات وطنية طويلة المدى. وهي تعكس بوضوح أن قادة المنطقة باتوا ينظرون إلى إتقان الذكاء الاصطناعي باعتباره حجر الأساس للتقدم الوطني.

ولم يكن هذا الجهد مقتصراً على الحكومات والمؤسسات الأكاديمية وحدهم، فالقطاع الخاص أيضاً يقود جزءاً من هذه المسيرة، بحكم اعتماده بشكل كامل على المواهب البشرية المؤهلة، وهو ما جعله يسهم بدوره في هذه الجهود. فقد تعاونت شركات كبرى مع مؤسسات غير ربحية مثل التعليم من أجل التوظيف لتعليم وتدريب الشباب كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل.

واللافت أن هذه الجهود لم تُصمم لتعزيز الكفاءة والإلمام بالذكاء الاصطناعي فحسب، بل لضمان العدالة أيضاً بحيث تتاح الفرصة للجميع، مهما كانت خلفياتهم أو نوعهم الاجتماعي أو قدراتهم، لتعلم وإتقان هذه اللغة الجديدة التي تفتح أبواب الفرص.

وإلى جانب الحكومات والأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال والمنظمات غير الربحية، تبقى هناك جهة أخيرة مسؤولة عن ضمان امتلاك الجيل القادم لهذه الكفاءة وهي الشباب أنفسهم.

فالشباب هم أصحاب المصلحة الأكبر في المستقبل، وهم من يملكون القدرة على تحويل هذه المهارات إلى فرص حقيقية فهم الأكثر قدرة على جني مكاسب تبنّي الذكاء الاصطناعي. ويمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تضيف 232 مليار دولار إلى ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2035م، إذا أحسن توظيف الذكاء الاصطناعي. وبحلول عام 2050م قد يكون الرقم أعلى بكثير، ولاغتنام هذه الفرصة لا بد من دعم الشباب لاكتساب الكفاءة التقنية في مجالات مثل هندسة المحادثات (prompt engineering) والبرمجة والبيانات وتعلّم الآلة. لكن الأهم أن لا يأتي ذلك على حساب المهارات الإنسانية الأساسية مثل التفكير النقدي، والتفكير الأخلاقي، والإبداع، والتعاطف.

إن الجمع بين الطلاقة في الذكاء الاصطناعي وبين المرونة والقدرة على الصمود والتواضع، يمثل مزيجاً تنافسياً فريداً، وأؤمن أن هذا النهج الشامل في بناء الكفاءات سيجعل شباب اليوم متميزين في سوق عمل الغد، وقادرين على قيادة اقتصادات المستقبل.

اليوم الدولي لمحو الأمية يذكرنا بأن التعليم كان ولا يزال بوابة إلى الفرص. قبل مئة عام، كان تعليم الطفل القراءة والكتابة أحد أعظم الاستثمارات التي يمكن أن يقوم بها أي مجتمع، وفي المستقبل لا بد أن يواصل المجتمع الحفاظ على قيمة هذه الأساسيات التي تمكّن البشر من التواصل مع بعضهم البعض.

فالطلاقة في الذكاء الاصطناعي قد تحدد من يكتب الشيفرات، لكن المستقبل سيُكتب بأيدي من يجمعون بين المعرفة التقنية والسمات الإنسانية الأصيلة، والقدرة على التواصل، الفهم، والابتكار.