اطلعت على رسالة من مواطنة تناشد فيها الحكومة ممثلة في وزارة العمل بأهمية تعمين مهنة بيع الملابس النسائية ومنها بيع العبايات، وتقول في رسالتها إن هذه المهنة وغيرها من المهن المتعلقة بالنساء تعد بالآلاف ولا تحتاج إلى شهادات عليا أو دنيا ولا إلى خبرات هائلة حتى تعجز الجهات المختصة عن إحلالها، وإن وجود الرجال كبائعين في المحلات النسائية يُعد انتهاكًا لخصوصية المرأة وامتهانًا لكرامتها عندما يطلع الرجل على بعض التفاصيل الدقيقة المتعلقة بملابس النساء.
هذه الصرخة أو الاستغاثة النسائية لها ما يبررها على صعيد المنطق الحصيف وعلى صعيد احترام الحياء ككلمة، والحياء كمعنى، وهو العنوان الأبرز والأشد قدسية الذي يميز المرأة المسلمة عمن سواها، هو حياء مؤطر بآيات كريمة من كتاب الله الكريم، وفيها نهي صريح ومنع جازم وحاسم للرجال الغرباء من الاقتراب من هذا السياج الذي يحفظ بداخله للمرأة كرامتها وعزتها، وأن على الرجال ومن باب الرجولة على الأقل الابتعاد من هذا السياج ناهيك عن التعامل بالبيع في ملابسهن، فهذا خط أحمر في إطار شريعتنا الإسلامية المقدسة.
ثم لا ندري كيف لرجل سوي أن يمتهن هذا النوع من التجارة؟، هل كل المهن المتوفرة على ظهر الأرض أضحت عصية على الرجال حتى يجدوا الملاذ الأوحد والمفضي للثراء الفاحش في ملابس النساء الداخلية والخارجية، ولا نجد أي مبرر لرجل يمتهن هذه المهنة، فهل يا ترى يسره أن يناقش زبونته في مواصفات ملابس داخلية أخذًا وعطاءً وحوارًا يفضي في نهاية المطاف لإقناعها أو إقناعهن بجودة المنتج وصلابته وتماسكه في مواجهة عاديات الزمن ونكباته؟، وأي حوار سمج هذا الذي يخوض فيه رجل سوي؟، بل هو العار بعينه، وبما أن الأمر كذلك فتعمين هذه المهنة بات فرض عين وليس فرض كفاية حفاظا على الحد الأدنى من كرامة النساء على الأقل .
وبنظرة موضوعية حول عدد الفرص التي ستتوافر للنساء بعد تعمين المهنة سنجدها بالآلاف، وفي الوقت ذاته توجد آلاف النساء باحثات عن عمل بل هن الأكثر حاجة له، غير أنهن لا يستطعن اقتحام هذا المجال عنوة لوجود الكواسر والأظافر الرجالية الطويلة فيه، ولوجود اللحى والشوارب التي لا تستحي في خضمه، فآثرن الابتعاد والانزواء وينظرن من طرف خفي إلى ما يدور في أسواقهن السليبة بحسرة وانكسار ولوعة.
وعبر لغة الأرقام الحاسمة نجد أن هناك المئات من الأنشطة مسجلة كنشاط نسائي محض في السجلات الرسمية للأنشطة الاقتصادية، الأمر الذي يطرح تساؤلات مشروعة لماذا تظل مثل هذه المهن في أيادي العمالة الوافدة الرجالية؟، ومتى تصل الجهات المختصة إلى قناعة كاملة وشافية بأن المواطنات فقط هن الأحق بالعمل في هذه المهن؟، وهل هناك صعوبات جوهرية تمنع تطبيق هذا المنع أم أن الأمر يحتاج فقط لإرادة لا تلين ولعزيمة لا تقبل الانكسار أو الاحتواء أو الانحناء.
وبطبيعة الحال لسنا وحدنا من يعايش هذا الهم، فالمملكة العربية السعودية الشقيقة فعلت الشيء نفسه عندما وجدت المرأة هناك نفسها تقف بين المطرقة والسندان، فملابسها في أيدي الكواسر والجوارح والبواسل، امتنعت وتخندقت وهربت، ثم تدخلت السلطات بنحو حاسم لنصرتها وإعادتها لأسواقها الخاصة بها مرفوعة الهامة، عبر سلسلة منتظمة من القرارات الحاسمة والقاطعة.
ففي عام 2011 أصدر مجلس الوزراء السعودي قرارا بتأنيث المهنة وصولا لمهنة أدوات التجميل بأنواعها وأشكالها، وفي عام 2012 بدأ تنفيذ القرار باعتبار أن مهلة عام كافية لتتمكن تلك الأسواق والمحلات من توفيق أوضاعها. وفي عام 2014، تم توسيع القرار ليغطي محلات بيع العباءات وفساتين السهرة، وفي عام 2016 أصبح القرار يشمل كل ما يمت للمرأة بصلة ومعناه إبعاد نهائي لأصحاب الشوارب واللحى من بيع كل ماله علاقة بالمرأة من قريب أو بعيد، وقبل ما يقارب 15 عامًا سعودت المملكة العربية السعودية المهن النسائية، ونحن إلى الآن تمارسها العمالة الوافدة، لقد وفروا الإرادة والتصميم فنجحت القرارات في إفراز آلاف المهن للنساء.
نحن بحاجة ماسة لمثل هذه الإرادة، والمرأة العُمانية بحاجة الآن لهذه الوظائف والمهن، وما من شك إنه في حالة تطبيق هذه القرارات فإن هناك انتعاشًا أكيدًا سيصاحب تعمين هذه المهنة، فالمرأة العاملة وربة البيت ستشتري من المرأة العاملة بأريحية ودون خجل أو وجل، وسيعود الريع حلوًا وشهدًا لأصحاب هذه المحلات بعد التعمين النسائي لفائدة النساء جميعهنّ
ولا ننسى في هذه العجالة مهنة خياطة الملابس النسائية، إذ يتعين تعمينها هي الأخرى باعتبار أن المرأة هي الزبون الوحيد لهذه المحلات، وجميعنا يعلم أن خياطة الملابس النسائية تحتاج لأخذ قياسات طولًا وعرضًا للمرأة وهذا لا يجوز شرعًا إذا كان الخياط رجلا، وصحيح أن خياطة الملابس تحتاج لبعض التعلم، وأن يتوافر لدى المرأة إحساس فني رفيع لتقدم فستانا بمواصفات رائعة وهذا ما تهفو إليه النساء كما نعلم، لذلك فإن الأمر مرفوع لمعاهد التدريب المهني لإدخال هذا الفن ضمن مناهجها الدراسية إن لم يكن موجود أصلا، وأن يفتح القبول فقط للنساء العُمانيات اللواتي يجتزن اختبارات القبول الفنية .
بعدها ستجد المرأة نفسها عندما تتعامل مع خياطة ملابس عُمانية تملك كل المهارات لتقدم لها ملبوسات نسائية رائعة تأخذ بالألباب.
نأمل أن تمضي الجهات المختصة في تعمين هذه المهن النسائية بأسرع فرصة ممكنة باعتبار أن تعمينها هو حق أصيل ومكتسب للمرأة العُمانية وليتسنى لها الإسهام بإيجابية في رفد المجتمع بأبناء بررة تخرجوا من بيوت توفرت فيها الأحوال المادية والمعيشية من خلال تكاتف الأبوين لتحقيق هذا الهدف النبيل ..
علي بن راشد المطاعني