محمد محمود عثمان يكتب: الدول العربية .. بين التوترات الاقتصادية والسياسية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/أغسطس/٢٠٢٥ ١٣:٠٣ م
محمد محمود عثمان يكتب: الدول العربية .. بين التوترات الاقتصادية والسياسية

الدول العربية .. بين التوترات الاقتصادية والسياسية 

------------------- 

------------------- 

مع غياب الرؤية العربية السياسية والاقتصادية الموحدة ، إذ أن العالم العربي يعيش حالة من التداخل بين الملفات السياسية والاقتصادية ،و المصالح القُطرية قصيرة النظر، حيث تؤثر التوترات السياسية على العلاقات الاقتصادية و التجارية والعلاقات الدبلوماسية ، في ظل افتقاد المشروع العربي المتكامل لمستقبل الأمة العربية وأجيالها القادمة 

ولأنه على الرغم توقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى منذ أكثر من عقدين، إلا أن التجارة البينية العربية ما زالت محدودة، إذ لا تتجاوز 10 إلى % 12 من إجمالي تجارتها الخارجية. مقارنة مع حجم التجارة البينية داخل الاتحاد الأوروبي التي تتجاوز % 60، وفي منطقة "الآسيان" بجنوب شرق آسيا يتخطى 25 % ، و-ما يزيد الطين بلة كما يقال-

أن الخريطة العربية تعيش فوق صفيح ساخن أو بركان ثائر قابل للانفجار في كل وقت 

لأن الأزمات الإقليمية بداية من الحرب في غزة، والأوضاع في سوريا ولبنان و السودان، والعراق وليبيا، واليمن، كلها تخلق بيئة طاردة وغير مستقرة تقلل من فرص الاستثمار والتبادل التجاري وتشجع هروب السياحة ورؤوس الأموال والصناعات والاستثمارات للخارج .

وسوف تظل التوترات السياسية والحروب البينية والداخلية و الخلافات الثنائية والإقليمية ، والنزاعات الحدودية أو ملفات النفوذ الإقليمي والانشغال بالنعرات الطائفية والمذهبية التي تنخر في البنية الاجتماعية على المدى الطويل ، تُعد أكبر عائق أمام أي مشروع اقتصادي مشترك. فغياب الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي يحول دون انسياب التجارة ويضعف ثقة المستثمرين، ومن ثن تأخر أو غياب التنمية الاقتصادية والاعتماد على الاستيراد من الخارج، ومن الملفت والغريب هو تنحي دور جامعة الدول العربية نهائيا عن دورها في المحافظة على الأمن السياسي والاقتصادي العربي باعتبارها الأداة التنفيذية لإرادة قادة الدول الأعضاء في الجامعة، ما يكرس الخلل الاستراتيجي العربي المُزمن، 

لأنه من الضروري وجود رؤية عربية شاملة وواضحة للأحداث والمستجدات الإقليمية والدولية، ووجود خطط تكتيكية واستراتيجية تضمن في الأساس المحافظة على الكيانات العربية ونظمها القائمة ،وقدرتها على مواجهة التوترات والتحديات التي تُفرض عليها وتُهدد وجودها وحدودها ،على الرغم من الأطماع المعلنة من إسرائيل المدعومة من أمريكا والغرب وعرضها لخريطة التوسعات الجديدة لإسرائيل الكبرى ، التي تضم مساحات وأراض جديدة من الدول العربية المجاورة لها ، وفي تحد سافر للعرب جميعا الذين قدموا كل أنواع الشجب والندب والاستنكار والإدانة بأشد العبارات ، ثم غطوا في ثُبات عميق كأنهم في غيبوبة من هول سماع التصريحات الإسرائيلية الفجة ، وانشغالهم في ملفات الفساد والاستبداد، والحريات والعدالة والمساواة الغائبة، والتي تنعكس على الاستقرار السياسي والاجتماعي ،

وكأنهم رضخوا وسلموا واستسلموا تماما لمشيئة الغرب وإسرائيل وعدم الاعتماد على الذات في صنع القرار السياسي والاقتصادي، 

ولذلك نتمنى ظهور قيادة عربية قوية قادرة على جمع العرب وقيادتهم لمواجهة التحديات المنظورة وغير المنظورة التي تهدد الأمة العربية ومستقبلها القريب والبعيد

حيث يتسم المشهد السياسي في العالم العربي بالتفكك والتشرذم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، بدون اكتراث بما يحيط بهم من أطماع الدول الاستعمارية ، وإسرائيل التي بدأت تُكشر عن أنيابها صراحة ، ولكن تعيش الدول العربية حالة من اللاوعي والتداخل بين السياسة والاقتصاد، حيث تُلقي الأزمات السياسية بظلالها على العلاقات الدبلوماسية و التجارة البينية ، فيما تكشف لغة الأرقام ضعف التكامل الاقتصادي العربي مقارنة بالتكتلات الإقليمية الأخرى ، على الرغم من ثرواتها الطبيعية وإمكاناتها البشرية الهائلة ،ويسهم في ذلك عدم الاستقرار السياسي الذي يلعب دورًا هامًا يؤثر في جذب الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي.

في ظل الغياب الواضح في مجالات الحوار السياسي وتقوية المؤسسات الديمقراطية ، التي تُخفف من حدة التوترات السياسية والمجتمعية، و تُعزز الحوار والتفاوض بين الأطراف المختلفة.

و تجاوز النظرة التقليدية التي ترى في التكامل تحديًا مستحيلًا ، لأن العالم العربي، إذا ما توحد اقتصاديًا، سيمتلك كل المقومات ليصبح قوة اقتصادية عالمية تُنافس التكتلات الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والآسيان. تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية حقيقية، واستراتيجية واضحة، واستثمارًا في بناء المواطن العربي كمحور أساسي لهذه الرؤية.

 فهل تستطيع الدول العربية تحويل المصالح الاقتصادية إلى جسر لتجاوز الانقسامات السياسية؟

   ======