بقلم د. خالد بن عبد الرحيم الزدجالي
كأننا نعيش عرضًا يوميًا لممارساتٍ تتنكر بأقنعة أخلاقية... تُؤدى بإتقان تحت عناوين الحاجة، أو الاستثمار، أو حتى الإحسان.
لكن ما سأرويه هنا ليس دراما متخيلة، بل مشاهد حقيقية تستحق أن تُعرض كما تُعرض الأفلام، مشهدًا بعد آخر، بكاميرا لا تُغمض عدستها، وضمير لا يغضّ بصره.
---
بطولة زائفة
(كما في "عمارة يعقوبيان" – حين تتقن الحاجة ارتداء بذلة الاستثمار)
مع بدايات الصيف، تلقيت اتصالًا من رجل قال إن صديقًا مشتركًا أعطاه رقمي. أخبرني بأنه وصل إلى عمان حديثًا بصفته "مستثمرًا"، ويقيم مؤقتًا في فندق صغير مع أسرته، ويرغب بلقائي.
ما إن جلس حتى قال بهدوء:
– "هل ممكن تساعدني في الحصول على كرسي متحرك لذوي الإعاقة من وزارة التنمية؟ لم أتمكن من حمله في الطائرة."
تجمّدت الكلمات في حلقي. أهذا هو الاستثمار؟
لا خطة، لا مشروع، لا رأس مال... فقط تأشيرة جاهزة وطلب إعانة.
من منحه هذه الصفة؟ ومن فتح له الباب؟
هل أُنشئ في الوزارة قسم خاص لاحتياجات المستثمرين الورقيين؟
وهل تُمنح التأشيرات كما تُوزّع الإعانات، بلا تحقق، بلا مسؤولية، كأنها صدقة بلا ملامح؟
كأن بعض الجهات اكتفت بأن تفتح الستار... وتغيب عن العرض تمامًا.
---
لقطة احتيال
(كما في "الشبح" – الوجه الهادئ خلف الشاشة يخبئ خديعة كاملة)
كنت بزيارة أحد أصدقائي المتقاعدين، التقينا وسط صلالة حيث استأجر شقة لأولاده ليومين، وروى لي قصته.
قرر قضاء الإجازة هناك هربًا من تكاليف السفر وعداوات الخارج المتزايدة للعرب والمسلمين. تواصل مع إعلان محلي لتأجير الشقق الفندقية، أجابه شاب بلهجة من إحدى الدول الشقيقة، وأكد له توفر المنزل.
طلب عربونًا للحجز بنسبة 50%، تم التحويل، وجاء الرد:
– "تم الحجز، ننتظر وصولك في الموعد."
وصل قبل يومين من الموعد، وحين بدأ الاتصال ومحاولة الوصول للعنوان، اختفى كل شيء. الهاتف لا يرد، والرد الآلي واحد:
"تعذر الحصول على المشترك المطلوب، الرجاء الاتصال فيما بعد."
هكذا ضاعت أمواله. اضطر لاستئجار شقة ليومين بـ110 ريالات، وهو الحد الأدنى الممكن. قدم بلاغًا بالواقعة، وأعطى كل التفاصيل، لكنه اكتشف أنه مجرد ضحية جديدة ضمن سلسلة تمرّ من ذات الثغرات، وتحمل ذات التصاريح.
---
مافيا العائلات
(كما في "The Godfather" – حين تُدار الصغائر بعقلية العصابات)
في أحد صباحات الخريف في صلالة، كانت زوجتي وابنتي وحفيدتي الرضيعة يهممن بمغادرة موقف سوق الحافة. أثناء رجوع السيارة، اصطدمت برفق بمركبة متوقفة بشكل خاطئ خلفها، نتج عنه خدش لا يكاد يُرى.
لكن ما تلا ذلك بدا كمشهد يُعاد يوميًا، بلا خوف من رقيب. خرج من خلف السيارات عدد من الأشخاص، التفّوا حول المركبة كما لو كانوا بانتظار الاصطدام. علت الأصوات، وتزايدت المطالبات. أحدهم طلب تعويضًا، ثم رفع الآخر المبلغ حتى وصل إلى أربعمئة ريال.
حين رفعت زوجتي هاتفها لتوثيق مكان الاحتكاك، امتدت يد تحاول انتزاعه منها. انطلقت الشتائم، فدخلت السيارة وأغلقت الأبواب.
اتصلت بي بصوت مرتجف:
– "في جماعة يهددوننا ويتطاولون علينا."
قلت:
– "لا تفتحي الباب. اتصلي بالشرطة فورًا."
فعلت، وأبلغت عن الاعتداء، فجاء الرد:
– "غادروا الموقع فورًا، ولا تناقشوهم."
غادرت بصعوبة، وسط التهديدات ومحاولات الاعتراض. كانت لحظة نجاة... لكنها لم تشبه النجاة، بل أشبه بالهرب من إرهاب مُقنن، يجري في وضح النهار دون أن يُحسب ضمن الجرائم المنظمة، رغم أنه يُدار بعقليتها.
---
مونولوج كاذب
(كما في "اللي بالي بالك" – حين تصبح الدموع أداة محترفة)
في كل مسجد تقريبًا، بعد كل صلاة، يظهر رجل من جنوب غرب الجزيرة العربية، يعتلي الصفوف بصوت متهدّج:
– "إخواني الأكارم... ابني هذا أمامكم مريض بالخبيث، ويحتاج تدخلًا جراحيًا، ولا نملك المال."
ثم يبكي، ويرفع الطفل عاليًا لنراه جميعًا.
كان لهذا المشهد وقع كبير قبل سنتين أو ثلاث.
لكن تكرار الحالة، وتكرار القصص المشابهة بنفس الأسلوب، ومن نفس الجنسية، جعل من الرحمة حذرًا، ومن الصوت المرتجف شكًّا.
تراه بعد أيام، في مسجد آخر... وبقصة مشابهة، والمريض أصبح "الزوجة"، ونفس الأداء المتقن يتكرر، وكأن الجهات المعنية لم ترَ المسرح، ولا تسمع المايكرفون.
> ربما حان الوقت لهيئة حماية المستهلك أن تراقب جودة القصص... لا فقط أسعار السلع.
---
إخراج عائلي
(كما في "Drishyam" أو "Special 26" – حين يتخفى الاحتيال داخل إخراج مسرحي دقيق)
رن جرس الباب. امرأة تحمل رضيعًا، تطلب المساعدة لزوجها المريض.
تعاطفت ابنتي، ودخلت لتحضر مبلغًا بسيطًا. لكنها حين عادت، فوجئت بالزائرة داخل البيت، تتجول دون إذن، وتطلب حليبًا وطعامًا لأنها وأولادها جائعون.
ذهبت ابنتي لتحضير شيء من الطعام. وفي غيابها، كانت "الضيفة" تجمع ما خفّ وزنه وغلا ثمنه، وتُخفيه تحت الطفل.
حين عادت وأعطتها المال، قالت الزائرة:
– "اسمحي لي، سأذهب وآكل مع أولادي الذين ينتظرونني في المنزل."
وغادرت بسرعة وارتباك.
تابعتها ابنتي، فرأتها تستقل سيارة أجرة بجانب رجل خمسيني، لم يكن مجرد سائق، بل مخرجًا لهذا العرض... وكاتبه ومنفذه أيضًا.
---
نهاية مرتجلة
(كما في "A Few Good Men" – حين تُقال الحقيقة أخيرًا بلا رتوش)
ما قرأتموه ليس مشاهد متفرقة... بل عرض متكامل، تتكرر فصوله في وضح النهار، تحت ستار القانون، وبإخراج احترافي لا يخلو من مكياج الرحمة، وزينة الاستثمار، وسيناريوهات تُؤدى ببراعة المكر والخداع.
الأبطال من جنسيات متعددة، والأدوار موزعة بعناية: من منابر المساجد إلى أبواب البيوت، ومن خلف إعلانات الشقق إلى مواقف السيارات، وصولًا إلى شقق تحوّلت إلى أوكار، وشوارع تسللت إليها مشاهد لا تشبهنا.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت أجهزة الشرطة بمداهمات فعلية لبعض أوكار الدعارة التي تكاثرت تحت أغطية وهمية في أكثر من مدينة عمانية... وكأنها تقول: لقد طالت المسرحية بما يكفي.
لكن الحقيقة المُرّة هي أن ما يحدث ليس فقرًا عابرًا، ولا عوزًا نادرًا، بل صناعة كاملة تُتقن التمثيل والابتزاز، تستدرج العاطفة، وتستثمر في الذنب، وتُعيد إنتاج الحاجة بأزياء ملوّنة من الزيف.
وبينما يُطلب من كل مستثمر اليوم تعيين عماني واحد فقط، وكأن ذلك كفيل بردم الفجوة، فإن كثيرًا من أصحاب المشاريع الصغيرة — كمن يمتلك بقالة أو ورشة نجارة — يُجبرون على الإغلاق أو التلاعب، فقط لأن شرط "التمثيل الوطني" لم يُصمم لواقعهم.
نحن لا نحتاج إلى شعارات، بل إلى شجاعة مؤسسية تعترف بأن التمثيل طال أكثر مما ينبغي، وأن السيناريو بحاجة إلى إعادة كتابة... لا بحذف الشخصيات، بل بكشفها. لا بتغيير العنوان، بل بكشف العنوان الفرعي:
"بطولة زائفة، بإنتاج متساهل، ورقابة نائمة."
لقد آن أوان المشهد الأخير...
لكن من الذي سيجرؤ على رفع الستار... قبل أن تنهار الخشبة؟