حي ساروجة.. تراث دمشقي عريق

مزاج السبت ٢١/مايو/٢٠١٦ ٠٢:٤٣ ص
حي ساروجة.. تراث دمشقي عريق

دمشق - العمانية
يقع حي ساروجة الدمشقي في مدينة دمشق القديمة، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى أحد قادته وهو الأمير صارم الدين ساروجة المملوكي المتوفى عام 743ه/ 1342م، إذ يزيد عمر الحي على ال600 سنة، وللحي مكانة مرموقة بمدينة دمشق القديمة فكان مجالًا للتنافس بين الأمراء المملوكيين الذين تسابقوا لبناء المنشآت فيه، فشيدوا المدارس والجوامع والحمامات التي لا يزال الكثير منها قائمًا حتى الآن وكانت المدرسة الشامية البرانية أساسًا لإنشائه حيث أخذ بالاتساع حولها تدريجيًا حتى اكتمل وأصبح له سوق خاص في عهد الأمير سيف الدين تنكز الذي مكث في دمشق طويلًا وترجع إليه الكثير من الآثار المعمارية بهذا الحي.
يقول المؤرخ ابن عساكر في كتابه الشهير "تاريخ دمشق" إن ثاني مدينة بُنيت على الأرض بعد طوفان نوح هي دمشق وكانت الأولى حران، ويثبت ابن عساكر عشرات الروايات عن بداية إعمار وبناء دمشق التي احتضنت على مر العصور حضارات عريقة أبت الرحيل دون أن تترك آثارها في طرق دمشق وأزقتها القديمة.
وكان "حي ساروجة" أول منطقة من دمشق بنيت خارج أسوار المدينة في القرن الثالث عشر الميلادي، وتشكل بيوته وحماماته ومساجده واجهة للفن المعماري لحقبة مجيدة من تاريخ دمشق، وتوصف بيوت الحي بالقصور، فالبيت من الخارج لا يلفت الأنظار بواجهته وبابه، إلا أنه في الداخل يضم باحة تزينها نافورة ماء في الوسط وشجرة ليمون في إحدى زواياها مما يضفي اجواء يمتزج فيه الضوء والنضارة مع الملامح الرمادية والملونة المحيطة.
وشهد الحي أثناء حكم الدولة العثمانية ابتداء من القرن السادس عشر الميلادي زيادة في وفود الأعيان للسكن فيه، وحافظ على مكانته كحي راق حتى انتهاء حكم الدولة العثمانية مطلع القرن العشرين.
وتميز الحي بسوقه الكبير وبيوته الواسعة وحماماته ومساجده الفخمة لوقوعه خارج سور المدينة القديمة من جهة الشمال الغربي ويشكل امتدادا حيويا وتراثيا لها، وهو ما دفع رجال الدولة العثمانية إلى التمركز فيه بعد أن أجلوا العائلات المملوكية منه وأطلقوا على الحي اسم (اسطنبول الصغرى) نسبة إلى الطبقات الارستقراطية العثمانية التي كانت تقطنه.
ومن أهم المواقع والمباني التاريخية التي يشتهر بها الحي المدرسة الشامية البرانية التي اكتسبت شهرة واسعة حيث كان الأمراء والعلماء يقيمون حفلات رسمية عند افتتاحها وإغلاقها والمدرسة المرادية البرانية التي أُقيمت في منزل الشيخ مراد علي البخاري وجامع الورد المعروف باسم (برسباي) نسبة للأمير المملوكي برسباي الناصري، ولا تزال أبوابه مفتوحة حتى اليوم منذ بنائه قبل 600 عام وكذلك حمام "الورد" المجاور له، وجامع بلبان وجامع الصبح وجامع القرمشي، وبقايا مدافن عثمانية.
كما يوجد مقام الأمير صارم الدين ساروجة المملوكي الذي دفن في القدس وهو مقفل ويتداخل مع منزل لأحد سكان الحارة، ومتحف دمشق التاريخي الذي يعود تاريخ بنائه الى القرن الثامن عشر الميلادي، وهو نموذج للبيت الدمشقي التقليدي، ويتميز بعناصره المعمارية والفنية الأصيلة، ويضم الحي كذلك أول قصر جمهوري سوري لأول رئيس للجمهورية العربية السورية هو الرئيس محمد علي العابد.
ويضم الحي إضافة إلى تلك المواقع والمباني التاريخية سوق "الخجا" والمركز الثقافي الفرنسي وبعض الفنادق الحديثة والمحلات التجارية كما أنه يلتصق ب"سوق البحصة".
وهو مركز العاصمة السورية المتخصص في عالم الحاسوب والمعلوماتية، ويمكن للزائر أن يرى تناقضا غريبا في دكاكين الحي التي تتنوع بين محلات تبيع الأدوات التراثية ووجود الكثير من الحرفيين من كبار السن الذين ما زالوا يعملون في الخياطة اليدوية وترميم الألبسة الجلدية وكل ما له علاقة بالتراثيات، ومتاجر يديرها الشباب وتتخصص في بيع كل ما له علاقة بعالم الحاسوب.
وتوجد بالحي نحو سبعين خانة وتبدأ خانات هذا الحي بكلمة "ساروجة" كخانة "الديمجية" فتسمى الخانة إداريا "ساروجة ديمجية"، ومنها "ديمجية"، "طاحون"، "ستي زيتونة"، "شماعين"، "مناخ"، "شيخ مجاهد"، "قفا الدور" "عقيبة".
وقام عدد من أصحاب البيوت التقليدية في حي "ساروجة" بتحويل بيوتهم لفنادق، ومزارات سياحية بتشجيع من وزارة السياحة.