في الهند، حيث تُقام الأعراس بحجم مدن، وتُنفق الملايين على ليالٍ من الاستعراض الفاخر، قرّر عروسان أن يكون عرسهما مختلفًا. كان لديهما ميزانية عرس "أسطوري"، لكنّهما اختارا بها طريقًا آخر.
ببساطة، قرّرا أن يُقيما زفافًا يُشبههما، لا ما يُرضي الجمهور.
واستخدما تكلفة الحفل لبناء تسعين منزلًا للفقراء والمشردين في مدينتهما أورانجاباد بولابة ماهاراشترا.
هذا ليس مجرد "موقف أخلاقي"، بل رسالة متكاملة في عالمٍ تزداد فيه المسافة بين منام الأميرات وخيام المساكين. عالم يلتقط أنفاسه تحت ركام الجوع والبطالة، بينما تُهدر فيه ثروات الشعوب على لقطات "فوتوغرافية" لا تدوم أكثر من ضغطة إعجاب.
***
تُشير التقارير إلى أن العالم ينفق سنويًا أكثر من 300 مليار دولار على حفلات الزفاف.
في المقابل، يُمكن بهذا الرقم بناء مليونَي منزل بسيط لعائلات بلا مأوى.
في إفريقيا، يعيش أكثر من 60% من سكان الحواضر في مساكن غير آمنة.
في أميركا اللاتينية، يُقدّر عدد المشردين بمئات الآلاف.
وفي الهند ذاتها، التي شهدت قصة العروسين، يُقدّر أن نحو 1.8 مليون إنسان يفتقرون لمكان ينامون فيه ليلًا.
الزفاف، في جوهره، احتفال بالمحبة والنية الصافية. لكننا، كبشر، زحفنا به إلى ما يشبه المهرجان الطبقيّ، حيث تتباهى العائلات لا بمشاعرها، بل بقدرتها على إنفاق ما لا يُحصى من الأموال.
في الخليج، وفي الغرب، وفي آسيا، يتسابق البعض إلى إبهار الحضور بقاعات من الكريستال، وطاولات من الرخام، بينما ينام آلاف في الشوارع بلا غطاء. لكنّ هذا العروسان قدّما وجهًا جديدًا للثروة: وجهًا لا يتبرّج، بل يَهب.
أمام هذه الفجوة الأخلاقية، تبدو قصة هذين العروسين فعلًا إنسانيًا مُضادًا.
لا تمرّدًا على التقاليد، بل عودة إلى جوهرها.
لا تقشّفًا، بل بذخًا من نوع مختلف: بذخ الرحمة، والضمير، والبصيرة.
يقول الفيلسوف الصيني "لاوتسه":
"الذي يملأ بيته بالذهب قد يُثير حسد الناس، أما الذي يملأه بالخير فقد يُوقظ إنسانيتهم."
لقد أحببت جدا لفتة الزوجين الثورية. فالقيمة لا تبنى برخام الأملاك ، بل بالقرارات التي تُعيد تعريف المجد. والجيل الذي يقلب ميزانية زفاف إلى مساكن، هو جيل ألتقط من الدروس والمعاني ما لم يلتقطه أسلافهم.
وبالطبع لم يُنشر هذا العرس على أغلفة المجلات، ولم تُبثّ عنه التقارير كغيره
لكنّه سيبقى، لعقود قادمة، عرسًا خالدا في ذاكرة الإنسانية.