د. محمد الفولي يكتب للشبيبة: خديعة العقل

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٩/يوليو/٢٠٢٥ ١٨:٠٤ م
د. محمد الفولي يكتب للشبيبة: خديعة العقل
د. محمد الفولي

"العقل يختار ما يريد رؤيته، ويعتبر ذلك الحقيقة الوحيدة" هذه الزاوية التي يراها الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليام جيمس في تعامل العقل مع الأحداث المختلفة وكيف يراها ويحللها ويتخذ قرار بناء على هذه الرؤية.

أما الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر فيرى أن " الإدراك ليس انعكاسا للواقع، بل تفسير له" أي تفسيرنا للأحداث والمواقف ليس انعكاساً حقيقياً أو كاملاً للواقع بل هو انعكاساً لما يفسره عقلنا وما تراه اعيننا.

لكل عقل عاداته وطقوسه التي يرى الحياة من خلالها ويفسر الأحداث بما يحمله من قيم وأفكار وأدوات بناها خلال السنين من تجارب ومعارف وعلوم تعرض لها، لكن القاسم المشترك بين كل العقول هي المقدرة على خداع صاحبها مما يستلزم من كل صاحب عقل اليقظة والعرفة حتى لا يقع فريسه لعقله.

ربما تكون فكرة خداع العقل لصاحبه فكرة غريبه يصعب تقبلها فالطبيعي أن العقل هو المرشد إلى الحقيقة والمعرفة فكيف يمكن أن يخدعنا ويساعد في اتخاذ قرارات خاطئة؟

تعالى معي صديقي لنتعرف على الأدوات التي يستخدمها العقل لإحداث التحيز لرأي أو فكرة محددة، أولى هذه الأدوات الشائعة

1- التحيز

فالعقل البشرى يميل إلى التحيز إلى أفكاره المسبقة حول العالم والقضايا المختلفة، ويسعى دائماً من خلال تفسيره للأحداث، ويظل يبحث عن معلومات تدعم الفكرة المسبقة أو التحيز لديه. مثال على ذلك : إذا كنت تكره شخص معين فعقلك يفسر كل أفعاله ليثبت هذا الكره حتى لو كانت أفعاله حسنة فالعقل يقول لك افعاله حسنة لكن نواياه خبيثة، وهنا العقل يتجاهل كل تعاملاته الطيبة أو سلوكه الحسن لأنه ببساطة متحيز لفكرة محددة.

2- التفكير الانفعالي

وهنا نرى أن مشاعرنا هي عين الحقيقة فاذا غضبت وأخذت قرار انفعالي فهذا القرار ناتج عن رد فعل وأن الخطأ قائم على من قام بالفعل، وتنتج أغلب الأزمات الحياتية بسبب اتخاذ قرار انفعالي ناتج عن الغضب الشديد أو حتى الفرح الشديد وبهذا الشكل يكون القرار ناتج عن الانفعال، والذي عادة يكون قرار خاطئ لذا فالقاضي يحرم عليه أن يتخذ قراراً وهو غاضب لأنه لن يكون ناتج عن الحقائق وإنما عن الانفعال.

3- الخوف من الفشل

كثير من العقول تظهر الناحية السلبية للأمور والتوقع يكون دائماً سلبي فينتج عن ذلك القعود وعدم التقدم وأن نميل إلى اتخاذ قرار انسحابي سببه هو الخوف من الفشل فالتجربة إذا كملت ستؤدي بلا محالة إلى الفشل فالأفضل هو الانسحاب وبما أني لم أفعل شيئاً فأنا لم أفشل صدقت يا صديقي لكنك ايضاً لا تنسى أنك لن تنجح أبداً فكيف ترتقي إذ لم تحاول وتتقدم؟!

4- الذاكرة غير الدقيقة.

العقل لا يسجل الذكريات كما هي بشكل دقيق بل في الغالب يختزنها كتفسير للحدث وما يعلق في الذاكرة الشعور الناتج عن الأحداث نفسها وليست الأحداث بشكل دقيق.

في هذه الحالة إذا تم استرجاع الأحداث العقل يمكن أن يضيف أو يحذف أو يغير التفاصيل دون أن يشعر فعلى سبيل المثال إذا حدث موقف وأن فسرته أنه سبب لك إهانة أو نقصان منك كلما تذكرت الموقف لم تتذكر الأحداث بل تتذكر الإهانة التي هي ربما تكون غير حقيقه في الأساس.

5- البحث عن نمط

يبحث العقل عن قالب أو نمط يضع فيه الحقائق ليرتاح وهذا ما يسمى "الوهم المعرفي" فمثلاً لو تعامل مع شخص كاذب يوسم كل قومه بالكذب، وبناء عليه إذا تعامل مع أي شخص اخر يتعامل معه من البداية على أنه كاذب، ومن الأخطاء الشائعة في البحث عن نمط ربط الأبراج بالقرارات فإذا قام شخص بفعل ما يتم ربط فعله بالبرج الذي ينتسب له، وهنا يسير كل شخص بكتالوج الأبراج ليحكم على الاخرين من خلالها وهذا ما يسمى الوهم المعرفي.

6- التفكير الثنائي بطريقة إما ـ أو

من أكثر الطرق الخادعة في التفكير واتخاذ القرارات التفكير الثنائي فمثلاً إما أن تنجح بنسبة 100٪ أو أنت فاشل، هذه الطريقة ينتج عنها ظلم الشخص لنفسه في أغلب الأحيان يكون قبل أن يكون ظالماً للآخرين وأسمي هذه الطريقة ب إما الحصول على كل شيء أو خسارة كل شيء!!

7- الافتراض

لا يستطيع العقل أن يترك أي سؤال لديه بدون إجابة فإذا لم يجد الإجابة من مصدرها يلجأ إلى الافتراض، في هذا الحالة يكون الافتراض ناتج عن الحالة النفسية والمزاجية أو على قدر المعرفة المسبقة حول الموضوع فإذا اتصلت بشخص ولم يرد تفترض سبب لعدم الرد، أو إذا أرسلت رسالة ولم تجد الرد ايضاً تضع افتراض وهكذا مهما كان السؤال صغيراً أو كبيراً فيجب أن يضع الإنسان افتراض وهذه الخاصية أدت إلى إنشاء علم الخرافة الذي مبنى في الأساس على الافتراضات التي يضعها الإنسان ليس لها أية دليل.

ربما يسأل سائل بعد هذا العرض عن أدوات خداع العقل كيف يتم التعامل مع العقل حتى لا نقع في أخطاء يصعب تصحيحها؟

أية واحدة في كتاب الله كفيلة بأن تحمينا من الوقوع في هذه السلسلة من الأخطاء التي يقع فيها أغلبنا

فقد قال تعالى في سورة الإسراء الآية : 36

( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)

فأحذر أن تقول أنك تعلم وأنت لا تعلم ، أو تقول أنك تعرف وأن لا تعرف أو أن تحكم بدون دليل أو بينة قاطعة، وإن فعلت ذلك فلا تظن أنه سينتهى الأمر هنا فالله تعالى سيحاسبك ويسألك عن سمعك وبصرك وحتى فؤادك عما حمله من أحكام وقرارات أخذتها في حق نفسك وحق الناس.

ونهاية أرجو منك يا صديقي أن لا تجعلك عقلك مرآة للواقع بل استخدمه ليكون أداة لتطوير الوقع.